تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٥٢
اشتمال من الساعة أي لا يتذكرون بأحوال الأمم الخالية ولا بالإخبار بإتيان الساعة وما فيها من عظائم الأحوال فما ينتظرون للتذكر إلا إتيان الساعة نفسها، وقوله تعالى: * (فقد جاء أشراطها) * أي علاماتها وأماراتها كما في قوله أبي الأسود الدؤلي: فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا * فقد جعلت أشراط أوله تبدو وهي جمع شرط بالتحريك تعليل لمفاجأتها على معنى أنه لم يبق من الأمور الموجبة للتذكر أمر مترقب ينتظرونه سوى إتيان نفس الساعة إذ قد جاء أشراطها فلم يرفعوا لها رأسا ولم يعدوها من مبادىء إتيانها فيكون إتيانها بطريق المفاجأة لا محالة كذا في إرشاد العقل السليم، وظاهر كلام الكشاف أنه تعليل للإتيان مطلقا أي ما ينتظرون إلا إتيان الساعة لأنه قد جاء أشراطها وبعد مجيئها لا بد من وقوع الساعة، وتعليل المقيد دون قيده لا يخلو عن بعد، قيل: ويقربه هنا أن انتظارهم ليس إلا لإتيان الساعة وتقييده ببغتة ليس إلا لبيان الواقع، وقال بعض المحققين: هو تعليل لانتظار الساعة لأن ظهور إمارات الشيء سبب لانتظاره، وفي جعله تعليلا للمفاجأة خفاء لأنها لا تناسب مجىء الأشراط إلا بتأويل، وأنت تعلم أن البدل هو المقصود فالانتظار لإتيان الساعة بغتة فالتعليل المذكور تعليل للمقيد دون قيده أيضا فكان ما في الإرشاد متعين وإن كان فيه نوع تأويل، وقوله تعالى: * (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكريهم) * على ما أفاده بعض الأجلة تعجيب من نفع الذكرى عند مجىء الساعة وإنكار لعدم تشمرهم لها ولانتظارهم إياها هزؤا وجحودا، وفي " الإرشاد " وقوله تعالى: * (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) * حكم بخطئهم وفساد رأيهم في تأخير التذكر إلى إتيانها ببيان استحالة نفع التذكر حينئذ كقوله سبحانه: * (يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى) * (الفجر: 23) أي فكيف لهم ذكراهم على أن * (أنى) * خبر مقدم و * ( ذكراهم) * مبتدأ و * (إذا جاءتهم) * اعتراض وسط بينهما رمزا إلى غاية سرعة مجيئها، وإطلاق المجىء عن قيد البغتة لما أن مدار استحالة نفع التذكر كونه عند مجيئها مطلقا لا مقيدا بقيد البغتة، وقيل: * (أنى) * خبر مقدم لمبتدأ محذوف أي فأنى لهم الخلاص إذا جاءتهم الذكرى بما يخبرون به فينكرونه منوطة بالعذاب ولا يخفى حاله، وقرأ أبو جعفر الرؤاسي عن أهل مكة * (إن تأتهم) * على أنه شرط مستأنف جزاؤه * (فأنى لهم) * الخ أي أن تأتهم الساعة بغتة إذ قد جاء أشراطها فأنى تنفعهم الذكرى وقت مجيئها، * (وإن) * هنا بمعنى إذا لأن إتيان الساعة متيقن، ولعل الإتيان بها للتعريض بهم وأنهم في ريب منها أو لأنها لعدم تعيين زمانها أشبهت المشكوك فيه وإذا جاءتهم باعتبار الواقع فلا تعارض بينهما كما يتوهم في النظرة الحمقاء.
وفي " الكشف " * (إذا) * على هذه القراءة لمجرد الظرفية لئلا يلزم التمانع بين * (إذا جاءتهم) * و * (إن تأتهم) * وفي الإتيان بأن مع الجزم بالوقوع تقوية أمر التوبيخ والإنكار كما لا يخفى انتهى، وعلى ما ذكرنا لا يحتاج إلى جعل إذا لمجرد الظرفية.
وقرأ الجعفي. وهارون عن أبي عمرو * (بغتة) * بفتح الغين وشد التاء، قال صاحب اللوامح: وهي صفة وانتصابها على الحال ولا نظير لها في المصادر ولا في الصفات بل في الأسماء نحو الجربة وهي القطيع من حمر الوحش، وقد يسمى الأقوياء من الناس إذا كانوا جماعة متساوين جربة، والشربة وهي اسم موضع وكذا قال أبو العباس بن الحاج من أصحاب أبي علي الشلوبين في كتابه المصادر، وقال الزمخشري: وما أخوفني أن تكون غلطة من الراوي عن أبي عمرو وأن يكون الصواب بغتة بفتح الغين من غير تشديد كقراءة الحسن فيما تقدم.
وتعقبه أبو حيان بأن هذا على عادته في تغليط الرواة، والظاهر أن المراد بأشراط الساعة هنا علاماتها التي كانت واقعة
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»