تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٥٧
فلا تحقق وإذا تطيرت فامض " أخرجه الطبراني عن حارثة بن النعمان * (إن بعض الظن اثم) * تعليل بالأمر بالاجتناب أو لموجبه بطريق الاستئناف التحقيقي، والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه، ومنه قيل لعقوبته الأثام فعال منه كالنكال، قال الشاعر: لقد فعلت هذي النوى بي فعلة * أصاب النوى قبل الممات أثامها والهمزة فيه على ما قال الزمخشري بدل من الواو كأنه يثم الأعمال أي يكسرها لكونه يضربها في الجملة وإن لم يحبطها قطعا: وتعقب بأن الهمزة ملتزمة في تصاريفه تقول: إثم يأثم فهو آثم وهذا إثم وتلك آثام، وأن إثم من باب علم، ووثم من باب ضرب، وأنه ذكره في باب الهمزة في الأساس، والواوي متعد وهذا لازم.
* (ولا تجسسوا) * ولا تبحثوا عن عورات المسلمين ومعايبهم وتستكشفوا عما ستروه، تفعل من الجس باعتبار ما فيه من معنى الطلب كاللمس فإن من يطلب الشيء يجسه ويلمسه فأريد به ما يلزمه، واستعمال التفعل للمبالغة. وقرأ الحسن. وأبو رجاء. وابن سيرين * (ولا تحسسوا) * بالحاء من الحسن الذي هو أثر الجس وغايته، ولهذا يقال لمشاعر الإنسان الحواس والجواس بالحاء والجيم، وقيل التجسس والتحسس متحدان ومعناهما معرفة الأخبار، وقيل: التجسس بالجيم تتبع الظواهر بالحاء تتبع البواطن، وقيل: الأول أن تفحص بغيرك والثاني أن تفحص بنفسك، وقيل: الأول في الشر والثاني في الخير، وهذا بفرض صحته غير مراد هنا والذي عليه الجمهور أن المراد على القراءتين النهي عن تتبع العورات مطلقا وعدوه من الكبائر.
أخرج أبو داود. وابن المنذر. وابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين فضحه الله تعالى في قعر بيته " وفي رواية البيهقي عن البراء بن عازب أنه صلى الله عليه وسلم نادى بذلك حتى أسمع العواتق في الخدر. وأخرج أبو داود. وجماعة عن زيد بن وهب قلنا لابن مسعود: هل لك في الوليد بن عقبة بن معيط تقطر لحيته خمرا؟ فقال ابن مسعود: قدنهينا عن التجسس فإن ظهر لنا شيء أخذنا به.
وقد يحمل مزيد حب النهي عن المنكر على التجسس وينسى النهي فيعذر مرتكبه كما وقع ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. أخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن ثور الكندي أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يعس بالمدينة فسمع صوت رجل في بيت يتغني فتسور عليه فوجد عنده امرأة وعنده خمر فقال: يا عدو الله أظنن أن الله تعالى يسترك وأنت على معصية؟ فقال: وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل علي إن كنت عصيت الله تعالى واحدة فقد عصيت الله تعالى في ثلاث قال سبحانه: * (ولا تجسسوا) * وقد تجسست وقال الله تعالى: * (وأتوا البيوت من أبوابها) * (البقرة: 189) وقد تسورت وقال جل شأنه: * (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) * (النور: 27) ودخلت علي بغير إذن قال عمر رضي الله تعالى عنه: فهل عندكم من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم فعفا عنه وخرج وتركه. وفي رواية سعيد بن منصور عن الحسن أنه قال رجل لعمر رضي الله تعالى عنه: إن فلانا لا يصحوا فقال: انظر الساعة التي يضع فيها شرابه فأتني فأتاه فقال: قد وضع شرابه فانطلقا حتى استأذنا عليه فعزل شرابه ثم دخلا فقال عمر: والله إني لأجد ريح شراب يا فلان أنت بهذا فقال: يا ابن الخطاب وأنت بهذا لم ينهك الله تعالى أن تتجسس؟ فعرفها عمر فانطلق وتركه، وذكر بعضهم أن انزجار شربة الخمر ونحوهم إذا توقف على التسور عليهم جاز احتجاجا
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»