تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٥٨
بفعل عمر رضي الله تعالى عنه السابق وفيه نظر، وقد جاء في بعض الروايات عنه ما يخالف ذلك.
أخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد والخرائطي أيضا عن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف عن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن بن عوف أنه حرس مع عمر رضي الله تعالى عنه ليلة المدينة فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه فلما دنوا منه إذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتبعة ولغط فقال عمر: وأخذ بيد عبد الرحمن أتدري بيت من هذا؟ هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف الآن شرب قال: أرى أن قد أتينا ما نهى الله تعالى عنه قال الله تعالى: * (ولا تجسسوا) * فقد تجسسنا فانصرف عمر رضي الله تعالى عنه عنهم وتركهم، ولعل القصة إن صحت غير واحدة، ومن التجسس على ما قال الأوزاعي الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون فهو حرام أيضا.
* (ولا يغتب بعضكم بعضا) * أي لا يذكر بعضكم بعضا بما يكره في غيبته فقد قال صلى الله عليه وسلم: " أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت لو كان في أخي ما أقول قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " رواه مسلم. وأبو داود. والترمذي. والنسائي وغيرهم.
والمراد بالذكر الذكر صريحا أو كناية ويدخل في الأخير الرمز والإشارة ونحوهما إذاأدت مؤدى النطق فإن علة النهي عن الغيبة الإيذاء بتفهيم الغير نقصان المغتاب وهو موجود حيث أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب بأي وجه كان من طرق الأفهام، وهي بالفعل كان تمشي مشية أعظم الأنواع كما قاله الغزالي، والمراد بما يكره أعم من أن يكون في دينه أو دنياه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجته أو مملوكه أو خادمه أو لباسه أو غير ذلك مما يتعلق به، وخصه القفال بالصفات التي لا تذم شرعا فذكر الشخص بما يكره مما يذم شرعا ليس بغيبة عنده ولا يحرم، واحتج على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: " اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس " وما ذكره لا يعول، عليه والحديث ضعيف وقال أحمد منكر، وقال البيهقي: ليس بشيء ولو صح فهو محمول على فاجر معلن بفجوره. والمراد بقولنا: غيبته غيبته عن ذلك الذكر سواء كان حاضرا في مجلس الذكر أولا، وفي " الزواجر " لا فرق في الغيبة بني أن تكون في غيبة المغتاب أو بحضرته هو المعتمد، وقد يقال: شمول الغيبة للذكر بالحضور على نحو شمول سجود السهود لما كان عن ترك ما يسجد له عمدا * (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) * تميل لما يصدر عن المغتاب من حيث صدوره عنه ومن حيث تعلقه بصاحبه على أفحش وجه وأشنعه طبعا وعقلا وشرعا مع مبالغات من فنون شتى، الاستفهام التقريري من حيث أنه لا يقع إلا في كلام هو مسلم عند كل سامع حقيقة أو ادعاء، وإسناد الفعل إلى - أحد - إيذانا بأن أحدا من الأحديثن لا يفعل ذلك وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة، وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، وجعل المأكول أخا للآكل وميتا، وتعقيب ذلك بقوله تعالى: * (فكرهتموه) * حملا على الإقرار وتحقيقا لعدم محبة ذلك أو لمحبته التي لا ينبغي مثلها، وفي المثل السائر كنى عن الغيبة بأكل الإنسان للحم مثله لأنها ذكر المثالب وتمزيق الإعراض المماثل لأكل اللحم بعد تمزيقه في استكراه العقل والشرع له، وجعله ميتا لأن المغتاب لا يشعر بغيبته، ووصله بالمحبة لما جبلت عليه النفوس من الميل إليها مع العلم بقبحها، وقال أبو زيد السهيلي: ضرب المثل لأخذ العرض بأكل اللحم لأن اللحم ستر على العظم والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه وكأنه أولى مما في المثل، والفاء في * (فكرهتموه) * فصيحة في جواب شرط مقدور ويقدر معه قد أي أن صح ذلك أو عرض عليكم هذا فقد كرهتموه ولا يمكنكم إنكار كراهته، والجزائية باعتبار التبين، والضمير المنصوب للأكل
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»