يا يهودية بنت يهوديين فقال لها: هلا قلت: إن أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم.
وأنت تعلم أن النهي عما ذكر داخل في عموم * (لا تنابزوا بالألقاب) * على ما سمعت فلا يختص التنابز بقول يا يهودي ويافاسق ونحوهما، ومعنى قوله تعالى: * (بئس الاسم الفسوق بعد الايمان) * بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب التنابز أن يذكروا بالفسق بعد اتصافهم بالايمان، وهو ذم على اجتماع الفسق وهو ارتكاب التنابز والايمان على معنى لا ينبغي أن يجتمعا فإن الايمان يأبى الفسق كقولهم: بئس الشأن بعد الكبرة الصبوة يريدون استقباح الجمع بين الصبوة وما يكون في حال الشباب من الميل إلى الجهل وكبر السن.
و * (الاسم) * هنا بمعنى الذكر من قولهم: طار اسمه في الناس بالكرم أو اللؤم فلا تأبى هذه الآية حمل ما تقدم على النهي عن التنابز مطلقا، وفيها تسميته فسوقا، وقيل: * (بعد الايمان) * أي بدله كما في قولك للمتحول عن التجارة إلى الفلاحة: بئست الحرفة الفلاحة بعد التجارة، وفيه تغليظ يجعل التنابز فسقا مخرجا عن الايمان، وهذا خلاف الظاهر. وذكر الزمخشري له مبنى على مذهبه من أن مرتكب الكبيرة فاسق غير مؤمن حقيقة، وقيل: معنى النهي السابق لا ينسبن أحدكم غيره إلى فسق كان فيه بعد اتصافه بضده، ومعنى هذا بئس تشهير الناس وذكرهم بفسق كانوا فيه بعدما اتصفوا بضده، فيكون الكلام نهيا عن أن يقال ليهودي أسلم يا يهودي أو نحو ذلك، والأول أظهر لفظا وسياقا ومبالغة، والجملة على كل متعلقة بالنهي عن التنابز على ما هو الظاهر، وقيل: هي على الوجه السابق متعلقة بقوله تعالى: * (ولا تلمزوا أنفسكم) * أو بجميع ما تقدم من النهي، وعلى هذا اقتصر ابن حجر في " الزواجر ".
ويستثنى من النهي الأخير دعاء الرجل الرجل بلقب قبيح في نفسه لا على قصد الاستخفاف به والإيذاء له كما إذا دعت له الضرورة لتوقف معرفته كقول المحدثين: سليمان الأعمش وواصل الأحدب، وما نقل عن ابن مسعود أنه قال لعلقمة: تقول أنت ذلك يا أعور ظاهر في أن الاستثناء لا يتوقف على دعاء الضرورة ضرورة أنه لا ضرورة في حال مخاطبته علقمة لقوله يا أعور، ولعل الشهرة مع عدم التأذي وعدم قصد الاستخفاف كافية في الجواز، ويقال ما كان من ابن مسعود من ذلك، والأولى أن يقال في الرواية عمن اشتهر بذلك كسليمان المتقدم روى عن سلميان الذي يقال له الأعمش، هذا وغوير بين صيغتي * (تلمزوا وتنابزوا) * لأن الملموز قد لا يقدر في الحال على عيب يلمز به لامزه فحيتاج إلى تتبع أحواله حتى يظفر ببعض عيوبه بخلاف النبز فإن من لقب بما يكره قادر على تلقيب الآخر بنظير ذلك حالا فوقع التفاعل كذا في " الزواجر "، وقيل: قيل * (تنابزوا) * لأن النهي ورد على الحالة الواقعة بين القوم، ويعلم من الآية أن التلقيب ليس محرما على الإطلاق بل المحرم ما كان بلقب السوء، وقد صرحوا بأن التلقيب بالألقاب الحسنة مما لا خلاف في جوازه، وقد لقب أبو بكر رضي الله تعالى عنه بالعتيق لقوله عليه الصلاة والسلام له: " أنت عتيق الله من النار " وعمر رضي الله تعالى عنه بالفاروق لظهور الإسلام يوم إسلامه، وحمزة رضي الله تعالى عنه بأسد الله لما أن إسلامه كان حمية فاعتز الإسلام به، وخالد بسيف الله لقوله صلى الله عليه وسلم: " نعم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله " إلى غير ذلك من الألقاب الحسنة، وألقاب علي كرم الله تعالى وجهه أشهر من أن تذكر، وما زالت الألقاب الحسنة في الأمم كلها من العرب والعجم تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير، ولا فرق بين اللقب والكنية في أن الدعاء بالقبيح المكروه منها حرام، وربما يشعر به قول الراغب: اللقب اسم يسمى به الإنسان سوى اسمه الأول