الغرض وهو نظير ما قيل في إطلاق الكلمة على عيسى عليه السلام من أن ذلك لأن كلا منهما يهتدى به، وجعلت الإضافة على كونها بمعنى الثبات من باب إضافة السبب إلى المسبب فهي إضافة لأدنى ملابسة، وجوز أن تكون اختصاصية حقيقية بتقدير مضاف أي كلمة أهل التقوى، وأريد بالعهد على ما يقتضيه ظاهر سبب النزول عهد الصلح الذي وقع بينه صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة؛ وقيل: ما يعم ذلك وسائر عهودهم معه عز وجل.
وأنت تعلم أن الوجه المذكور في نفسه غير ظاهر، ومثله ما قيل: المراد بالكلمة قولهم في الأصلاب: بلى مقرين بوحدانيته جل شأنه، وبالإلزام الأمر بالثبات والوفاء بها، وقيل: هي قول المؤمنين سمعا وطاعة حين يؤمرون أو ينهون، والظاهر عليه كون الضمير للمؤمنين، وأرجح الأقوال في هذه الكلمة ما روي مرفوعا وذهب إليه الجم الغفير، ولعل ما ذكر في الأخبار السابقة من باب الاكتفاء، والمراد لا إله إلا الله محمد رسول الله.
* (وكانوا) * عطف على ما تقدم أو حال من المنصوب في * (ألزمهم) * بتقدير قد أو بدونه والظاهر في الضمير عوده كسابقه كما اقتضاه كلام عمر رضي الله تعالى عنه على الرسول والمؤمنين، واستظهر بعضهم عوده على المؤمنين وكأنه اعتبر الأول عائدا عليهم أيضا وهو مما لا بأس فيه، ولعله اعتبر الأقربية، فالمعنى وكان المؤمنون في علم الله تعالى * (أحق بها) * أي بكلمة التقوى، وأفعل لزيادة الحقية في نفسها أي متصفين بمزيد استحقاق لها أو على ما هو المشهور فيه والمفضل عليه محذوف أي أحق بها من كفار مكة لأن الله تعالى اختارهم لدينه وصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وقيل: من اليهود والنصارى، وقيل من جميع الأمم لأنهم خير أمة أخرجت للناس.
وحكى المبرد أن الذين كانوا قبلنا لم يكن لأحد منهم أن يقول: لا إله إلا الله في اليوم والليلة إلا مرة واحدة لا يستطيع أن يقولها أكثر من ذلك، وكان قائلها يمد بها صوته إلى أن ينقطع نفسه تبركا بذكر الله تعالى، وقد جعل الله عز وجل لهذه الأمة أن يقولوها متى شاءوا وهو قوله تعالى: * (وألزمهم كلمة التقوى) * (الفتح: 26) أي ندبهم إلى ذكرها ما استطاعوا وكانوا أحق بها، وهذا مما لم يثبت، وجوز الإمام كون التفضيل بالنسبة إلى غير كلمة التقوى أي أحق بها من كلمة غير كلمة تقوى وقال: وهذا كما تقول زيد أحق بالإكرام منه بالإهانة، وقولك إذا سئل شخص عن زيد بالطب أعلم أو بالفقه: زيد أعلم بالفقه أي من الطب، وفيه غفلة لا تخفى * (وأهلها) * أي المستأهل لها وهو أبلغ من الأحق حتى قيل بينه وبين الأحق كما بين الأحق والحق، وقيل: إن أحقيتهم بها من الكفار تفهم رجحانهم رجحانا ما عليهم ولا تثبت الأهلية كما إذا اختار الملك اثنين لشغل وكل واحد منهما غير صالح له لكن أحدهما أبعد عن الاستحقاق فيقال للأقرب إليه إذا كان ولا بد فهذا أحق كما يقال: الحبس أهون من القتل، ولدفع توهم مثل هذا فيما نحن فيه قال سبحانه: * (وأهلها) * وقيل: أريد أنهم أحق بها في الدنيا وأهلها بالثواب في الآخرة، وقيل: في الآية تقديم وتأخير والأصل وكانوا أهلها وأحق بها، وكذلك هي في مصحف الحرث بن سويد صاحب ابن مسعود وهو الذي دفن مصحفه لمخالفته الإمام أيام الحجاج وكان من كبار تابعي الكوفة وثقاتهم، وقيل: ضمير * (كانوا) * عائد على كفار مكة أي وكان أولئك الكفار الذين جعلوا في قلوبهم الحمية أحق بكلمة التقوى لأنهم أهل حرم الله تعالى ومنهم رسوله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم إنذارهم لولا ما سلبوا من التوفيق، وفيه ما فيه سواء رجع ضمير * (ألزمهم) * إلى كفار مكة أيضا أم لا، وأظن في قائله نزغة رافضية دعته إلى ذلك لكنه لا يتم به غرضه، وقيل: ضمير * (كانوا) * للمؤمنين إلا أن ضميري