تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١١٧
عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلتهم وبهم قوة فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهره الله تعالى أو تنفرد هذه السالفة فقال بديل: سأبلغهم ما تقول فبلغهم فقال عروة بن مسعود الثقفي لهم: دعوني آته فأتاه عليه الصلاة والسلام فقال له نحو ما قال لبديل وجرى من الكلام ما جرى ورأى من احترام الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم إياه ما رأى فرجع إلى أصحابه فأخبرهم بذلك وقال لهم: إنه قد عرض عليكم خطة رشد فأقبلوها فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال عليه الصلاة والسلام: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثت واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فرجع وأخبر أصحابه فقال رجل يقال له مكرز بن حفص: دعوني آته فلما أشرف قال عليه الصلاة والسلام: هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي فقال صلى الله عليه وسلم: قد سهل لكم من أمركم وكان قد بعثه قريش وقالوا له: ائت محمدا فصالحه ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا فلما انتهى إليه عليه الصلاة والسلام تكلم فأطال وانتهى الأمر إلى الصلح وكتابة كتاب في ذلك فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله تعالى وجهه فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: لا أعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال عليه الصلاة والسلام: والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو صلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا أسلال ولا أغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وأن محمدا يرجع عن مكة عامه هذا فلا يدخلها وأنه إذا كان عام قابل خرج أهل مكة فدخلها بأصحابه فأقام بها ثلاثا معه سلاح الراكب السيوف في القرب لا يدخلها بغيرها.
وظاهر هذا الخبر أن سهيلا لم يرض أن يكتب محمد رسول الله قبل أن يكتب؛ وجاء في رواية أنه كتب فلم يرض فقال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي كرم الله تعالى وجهه: امحه فقال: ما أنا بالذي امحاه، وجاء هذا في رواية للبخاري، ولمسلم وفي رواية للبخاري في المغازي فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، وكذا أخرجه النسائي. وأحمد ولفظه فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، وتمسك بظاهر هذه الرواية كما في " فتح الباري " أبو الوليد الباجي على أن النبي عليه الصلاة والسلام كتب بعد إن لم يكن يحسن أن يكتب ووافقه على ذلك شيخه أبو ذر الهروي. وأبو الفتح النيسابوري. وآخرون من علماء أفريقية، والجمهور على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكتب، وأن قوله: وأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب لبيان أنه عليه الصلاة والسلام احتاج لأن يريه علي كرم الله تعالى وجهه موضع الكلمة التي امتنع من محوها لكونه كان لا يحسن الكتابة، وقوله: فكتب بتقدير فمحاها فأعاد الكتاب لعلي فكتب أو أطلق فيه كتب على أمر بالكتابة، وتمام الكلام
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»