تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١١٨
في محله فكانت حميتهم على ما في " الدر المنثور " عن جماعة أنهم لم يقروا أنه صلى الله عليه وسلم رسول ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بين المسلمين والبيت وقدهم المؤمنون لذلك أن يبطشوا بهم فأنزل الله تعالى سكينته عليهم فتوقروا وحلموا. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال في حمية الجاهلية: حمت قريش أن يدخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا يدخلها علينا أبدا، وقال ابن بحر: - كما في " البحر " - حميتهم عصبيتهم لآلهتهم والانفة أن يعبدوا غيرها، وفي توسيط علي بين الرسول والمؤمنين إيماء إلى أنه سبحانه أنزل على كل سكينة لائقة به.
ووجه تقديم الإنزال على الرسول عليه الصلاة والسلام لا يخفى؛ وقال الإمام: في هذه الآية لطائف معنوية وهو أنه تعالى أبان غاية البون بين المؤمنين والكافرين حيث باين بين الفاعلين إذ فاعل * (جعل) * هو الكفار وفاعل * (أنزل) * هو الله تعالى، وبين المفعولين إذ تلك حمية وهذه سكينة. وبين الإضافتين إضافة الحمية إلى الجاهلية وإضافة السكينة إليه تعالى، وبين الفعلين * (جعل وأنزل) * فالحمية مجعولة في الحال كالعرض الذي لا يبقى والسكينة كالمحفوظة في خزانة الرحمة فأنزلها والحمية قبيحة مذمومة في نفسها وازدادت قبحا بالإضافة إلى الجاهلية والسكينة حسنة في نفسها وازدادت حسنا بإضافتها إلى الله عز وجل، والعطف في فأنزل بالفاء لا بالواو يدل على المقابلة والمجازاة تقول: أكرمني زيد فأكرمته فيدل على أن إنزال السيكنة لجعلهم الحمية في قلوبهم حتى أن المؤمنين لم يغضبوا ولم ينهزموا بل صبروا، وهو بعيد في العادة فهو من فضل الله تعالى انتهى وهو مما لا بأس به * (وألزمهم كلمة التقوى) * هي لا إله إلا الله كما أخرج ذلك الترمذي. وعبد الله بن أحمد. والدارقطني. وغيرهم عن أبي بن كعب مرفوعا وكما أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة. وسلمة بن الأكوع كذلك؛ وأخرج أحمد. وابن حبان. والحاكم عن حمران أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرم على النار فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أنا أحدثكم ما هي كلمة الإخلاص التي ألزمها الله سبحانه محمدا وأصحابه وهي كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله " وروي ذلك أيضا عن علي كرم الله تعالى وجهه على ما نقل أبو حيان. وابن عمر. وابن عباس. وعكرمة. ومجاهد. والحسن. وقتادة. وسعيد بن جبير في آخرين، وأخرج ذلك عبد بن حميد. وابن جرير عن عطاء الخراساني بزيادة محمد رسول الله، وأضيفت إلى التقوى لأنها بها يتقي الشرك ومن هنا قال ابن عباس فيما أخرجه ابن المنذر. وغيره: هي رأس كل تقوى، وظاهر كلام عمر رضي الله تعالى عنه أن ضمير - هم - في * (ألزمهم) * للرسول عليه الصلاة والسلام ومن معه وإلزامهم إياها بالحكم والأمر بها، وأخرج عبد الرزاق. والحاكم وصححه. والبيهقي في الأسماء والصفات. وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: هي لا إله إلا الله والله أكبر، وروي عن ابن عمر أيضا نحوه؛ وأخرج ابن أبي حاتم. والدارقطني في الإفراد عن المسور بن مخرمة قال: هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعن عطاء بن أبي رباح. ومجاهد أيضا أنها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأخرج عبد بن حميد. وابن جرير. وغيرهما عن الزهري قال: هي بسم الله الرحمن الرحيم، وضم بعضهم إلى هذا محمد رسول الله، والمراد بإلزامهم إياها اختيارها لهم دون من عدل عنها إلى باسمك اللهم ومحمد بن عبد الله، وقيل: هي الثبات والوفاء بالعهد، ونسبه الخفاجي إلى الحسن، وإلزامهم إياه أمرهم به، وإطلاق الكلمة على الثبات على العهد والوفاء به قيل: لما أن كلا يتوصل به إلى
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»