الواسعة * (من يشاء) * وهم أولئك المؤمنون وذلك بأمنهم وإزالة استضعافهم تحت أيدي المشركين وبتوفيقهم لإقامة مراسم العبادة على الوجه الأتم، والتعبير عنهم بمن يشاء دون الضمير بأن يقال: ليدخلهم الله رحمته للإشارة إلى أن علة الإدخال المشيئة المبنية على الحكم الجمة والمصالح، وجعله بعضهم علة لما يفهم من صون من بمكة من المؤمنين والرحمة توفيقهم لزيادة الخير والطاعة بإبقائهم على عملهم وطاعتهم، وجوز أن يراد - بمن يشاء - بعض المشركين ويراد بالرحمة الإسلام فإن أولئك المؤمنين إذا صانهم الكف المذكور أظهروا إيمانهم لمعاينة قوة الدين فيقتدي بهم الصائرون للإسلام، واستحسن بعضهم كونه علة للكف المعلل بالصون.
وجوز أن يراد - بمن يشاء - المؤمنون فيراد بالرحمة التوفيق لزيادة الخير، والمشركون فيراد بها الإسلام، وبين وجه التعليل بأنهم إذا شاهدوا منع تعذيبهم بعد الظفر عليهم لاختلاط المؤمنين بهم اعتناء بشأنهم رغبوا في الإسلام والانخراط في سلك المرحومين وأن المؤمنين إذا علموا منع تعذيب المشركين بعد الظفر عليهم لاختلاطهم بهم أظهروا إيمانهم فيقتدى بهم، وقال: لا وجه لجعل اللام مستعارة من معنى التعليل لما يترتب على الشيء لأنه عدول عن الحقيقة المتبادرة من غير داع، وما يظن من أن تعليل الكف بما ذكر مع أنه معلل بالصون فاسد لما فيه من اجتماع علتين على معلول واحد شخصي فاسد لأن العلل إذا لم تكن تامة حقيقة لا يضر تعددها وما هنا كذلك.
هذا وجعل ذلك علة لما دل عليه الجواب على ما سمعت أولا أولى عندي لما فيه من شدة التحام النظم الجليل، وحمل * (من يشاء) * على المؤمنين المستضعفين دون بعض المشركين أوفق بقوله تعالى: * (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) * والتزيل التفرق والتميز، وجوز في ضمير * (تزيلوا) * كونه للمؤمنين المذكورين فيما سبق أي لو تفرق أولئك المؤمنون والمؤمنات وتميزوا عن الكفار وخرجوا من مكة ولم يبقوا بينهم لعذبنا الخ، وكونه للمؤمنين والكفار أي لو افترق بعضهم من بعض ولم يبقوا مختلطين لعذبنا الخ. واختار غير واحد الأول - فمنهم - للبيان، والمراد تعذيبهم في الدنيا بالقتل والسبي كما قال مجاهد وغيره وإلا لم يكن - للو - موقع. والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها، وجوز الزمخشري أن يكون قوله تعالى: * (لو تزيلوا) * كالتكرار لقوله تعالى: * (لولا رجال) * لأن مرجعهما في المعنى شيء واحد ويكون لعذبنا هو الجواب - للولا - السابقة. واعترضه أبو حيان بأن التغاير ظاهر فلا يكون تكرارا ولا مشابها. وأجيب بأن كراهة وطئهم لعدم تميزهم عن الكفار الذي هو مدلول الثاني فيكون كبدل الاشتمال ويكفي ذلك في كونه كالتكرار، وقال ابن المنير: إنما كان مرجعهما واحدا وإن كانت * (لولا) * تدل على امتناع لوجود و * (لو) * تدل على امتناع لامتناع وبين هذين تناف ظاهر لأن * (لولا) * ههنا دخلت على وجود ولو دخلت على * (تزيلوا) * وهو راجع إلى عدم وجودهم وامتناع عدم الوجود ثبوت فآلا إلى آمر واحد من هذا الوجه قال: وكان جدي يختار هذا الوجه ويسميه تطرية وأكثر ما يكون إذا تطاول الكلام وبعد عهد أوله واحتيج إلى بناء الآخر على الأول فمرة يطري بلفظه ومرة بلفظ آخر يؤدي مؤداه انتهى.
وأنت تعلم أن في حذف الجواب دليلا على شدة غضب الله تعالى وأنه لولا حق المؤمنين لفعل بهم ما لا يدخل تحت الوصف ولا يقاس، ومنه يعلم أن ذلك الوجه أرجح من جعل * (لو تزيلوا) * بمنزلة التكرار للتطرية فتطرية الجواب وتقويته أولى وأوفق لمقتضى المقام، واختار الطيبي الأول أيضا معللا له بأنه حينئذ يقرب من باب الطرد والعكس لأن التقدير لولا وجود مؤمنين مختلطين بالمشركين غير متميزين منهم لوقع ما كان جزاء لكفرهم وصدهم ولو حصل