هنا بمعنى إظهار النعم عليهم فهو صفة فعل لا صفة ذات ليتقيد بالزمان، وأنت تعلم أن السلف لا يؤولون مثل ذلك ويثبتونه له تعالى على الوجه اللائق به سبحانه ويصرفون الحدوث الذي يستدعيه التقييد بالزمان إلى التعلق، ثم إن تقييد الرضا بزمان المبايعة يشعر بعليتها له فلا حاجة إلى جعل إذ للتعليل، والتعبير بالمضارع لاستحضار صورة المبايعة، وقوله سبحانه: * (تحت الشجرة) * إما متعلق بيبايعونك أو بمحذوف هو حال من مفعوله، وفي التقييد بذلك إشارة إلى مزيد وقع تلك المبايعة وإنها لم تكن عن خوف منه عليه الصلاة والسلامولذا استوجب رضا الله تعالى الذي لا يعادله شيء ويستتبع ما لا يكاد يخطر على بال ويكفي فيما ترتب على ذلك ما أخرج أحمد عن جابر. ومسلم عن أم بشر عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة " وقد قال عليه الصلاة والسلام ذلك عند حفصة فقالت: بلى يا رسول الله فانتهرها فقالت: * (وإن منكم إلا واردها) * فقال عليه الصلاة والسلام قد قال الله تعالى: * (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) *.
وصح برواية الشيخين وغيرهما في أولئك المؤمنين من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: أنتم خير أهل الأرض فينبغي لكل من يدعي الإسلام حبهم وتعظيمهم والرضا عنهم وإن كان غير ذلك لا يضرهم بعد رضا الله تعالى عنهم، وعثمان منهم بل كان يد رسول الله صلى الله عليه وسلم له رضي الله تعالى عنه - كما قال أنس - خيرا من أيديهم أنفسهم * (فعلى ما في قلوبهم) * أي من الصدق والإخلاص في مبايعتهم، وروى نحو ذلك عن قتادة. وابن جريج. وعن الفراء، وقال الطبري. ومنذر بن سعيد: من الايمان وصحته وحب الدين والحرص عليه، وقيل: من الهم والأنف من لين الجانب للمشركين وصلحهم، واستحسنه أبو حيان والأول عندي أحسن.
وهو عطف على * (يبايعونك) * لما عرفت من أنه بمعنى بايعوك، وجوز عطفه على * (رضى) * بتأويله بظهر علمه فيصير مسببا عن الرضا مترتبا عليه * (فأنزل السكينة عليهم) * أي الطمأنينة والأمن وسكون النفس والربط على قلوبهم بالتشجيع، وقيل: بالصلح وليس بذاك، والظاهر أنه عطف على * (علم) *.
وفي الإرشاد أنه عطف على * (رضي) * وظاهر كلام أبي حيان الأول وحيث استحسن تفسير ما في القلوب بما سمعت آنفا قال: إن السكينة هنا تقرير قلوبهم وتذليلها لقبول أمر الله تعالى، وقال مقاتل: فعلم الله ما في قلوبهم من كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه صلى الله عليه وسلم على الموت فأنزل السكينة عليهم حتى بايعوا وتفسر * (السكينة) * بتذليل قلوبهم ورفع كراهة البيعة عنها، ولعمري أن الرجل لم يعرف للصحابة رضي الله تعالى عنهم حقهم وحمل كلام الله تعالى على خلاف ظاهره * (وأثابهم فتحا قريبا) * قال ابن عباس. وعكرمة. وقتادة. وابن أبي ليلى. وغيرهم: هو فتح خيبر وكان غب انصرافهم من الحديبية، وقال الحسن: فتح هجر، والمراد هجر البحرين وكان فتح في زمانه صلى الله عليه وسلم بدليل كتابه إلى عمرو بن حزم في الصدقات والديات.
وفي " صحيح البخاري " أنه صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأخذ الجزية من مجوس هجر والفتح لا يستدعي سابقة الغزو كما علمت مما سبق في تفسيره فسقط قول الطيبي معترضا على الحسن: إنه لم يذكر أحد من الأئمة أنه صلى الله عليه وسلم غزا هجرا. نعم إطلاق الفتح على مثل ذلك قليل غير شائع بل قيل هو معنى مجازي له، وقيل: هو فتح مكة والقرب أمر نسبي، وقرأ الحسن. ونوح القاري * (وآتاهم) * أي أعطاهم.
* (ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما) *.
* (ومغانم كثيرة يأخذونها) * هي مغانم خيبر كما قال غير واحد، وقسمها عليه الصلاة والسلام كما في