تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٧٨
زادوا شرارة فضموا إلى شركهم معاندة الحق والاستحقاق به فسموا القرآن سحرا وكفروا به واستحقروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* (وقالوا لولا نزل ه‍اذا القرءان على رجل من القريتين عظيم) *.
* (وقالوا لولا نزيل ه‍اذا القرءان على رجل من القريتين) * أي من إحدى القريتين مكة والطائف أو من رجالهما فمن ابتدائية أو تبعيضية، وقرىء * (رجل) * بسكون الجيم * (عظيم) * بالجاه والمال قال ابن عباس: الذي من مكة الوليد بن المغيرة المخزومي والذي من الطائف حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، وقال مجاهد: عتبة بن ربيعة وكنانة بن عبد ياليل، وقال قتادة: الوليد بن المغيرة. وعروة بن مسعود الثقفي، وكان الوليد بن المغيرة يسمى ريحانة قريش وكان يقول: لو كان ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حقا لنزل على أو على أبي مسعود يعني عروة بن مسعود وكان يكنى بذلك، وهذا باب آخر من إنكارهم للنبوة وذلك أنهم أنكروا أولا أن يكون النبي بشرا ثم لما بكتوا بتكرير الحجج ولم يبق عندهم تصور رواج لذلك جاؤا بالإنكار من وجه آخر فتحكموا على الله سبحانه أن يكون الرسول أحد هذين وقولهم هذا القرآن ذكر له على وجه الاستهانة لأنهم لم يقولوا هذه المقالة تسليما بل إنكارا كأنه قيل: هذا الكذب الذي يدعيه لو كان حقا لكان الحقيق به رجل من القريتين عظيم وهذا منهم لجهلهم بأن رتبة الرسالة إنما تستدعي عظيم النفس بالتخلي عن الرذائل الدنية والتحلي بالكمالات والفضائل القدسية دون التزخرف بالزخارف الدنيوية، وقوله تعالى:
* (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحيواة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درج‍ات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) *.
* (أهم يقسمون رحمت ربك) * إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم بنزول القرآن العظيم على من أرادوا، والرحمة يجوز أن يكون المراد بها ظاهرها وهو ظاهر كلام البحر ونزل تعيينهم لمن ينزل عليه الوحي منزلة التقسيم لها وتدخل النبوة فيها، ويجوز أن يكون المراد بها النبوة وهو الأنسب لما قبل وعليه أكثر المفسرين، وفي إضافة الرب إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من تشريفه عليه الصلاة والسلام ما فيه، وفي إضافة الرحمة إلى الرب إشارة إلى أنها من فات الربوبية * (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) * أسباب معيشتهم.
وقرأ عبد الله. وابن عباس. والأعمش. وسفيان * (معايشهم) * على الجمع * (في الحياة الدنيا) * قسمة تقتضيها مشيئتنا المبنية على الحكم والمصالح ولم نفوض أمرها إليهم علما منا بعجزهم عن تدبيرها بالكلية وإطلاق المعيشة يقتضي أن يكون حلالها وحرامها من الله تعالى: * (ورفعنا بعضهم فوق بعض) * في الرزق وسائر مبادي المعاش * (درجات) * متفاوتة بحسب القرب والبعد حسبما تقتضيه الحكمة فمن ضعيف وقوي وغني وفقير وخادم ومخدوم وحاكم ومحكوم * (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) * ليستعمل بعضهم بعضا في مصالحهم ويستخدموهم في مهنهم ويسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويترافدوا ويصلوا إلى مرافقهم لا لكمال في الموسع عليه ولا لنقص في المقتر عليه ولو فوضنا ذلك إلى تدبيرهم لضاعوا وهلكوا فإذا كانوا في تدبير خويصة أمرهم وما يصلحهم من متاع الدنيا وهو على طرف التمام بهذه الحالة فما ظنهم بأنفسهم في تدبير أمر الدين وهو أبعد من مناط العيوق ومن أين لهم البحث عن أمر النبوة والتخير لها من يصلح لها ويقوم بأمرها، والسخري على ما سمعت نسبة إلى السخرة وهي التذليل والتكليف، وقال الراغب: السخري هو الذي يقهر أن يتسخر بإرادته، وزعم بعضهم أنه هنا من السخر بمعنى الهزء أي ليهزأ الغني بالفقير واستبعده أبو حيان، وقال السمين: إنه غير مناسب للمقام.
وقرأ عمرو بن ميمون. وابن محيصن: وابن أبي ليلى. وأبو رجاء. والوليد بن مسلم * (سخريا) * بكسر السين والمراد به ما ذكرنا أيضا، وفي قوله تعالى: * (نحن قسمنا) * الخ ما يزهد في الانكباب على طلب الدنيا ويعين على التوكل
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»