تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٧٦
فإن ظاهره كون الانتقام بعذاب الاستئصال وصاحب البحر يحمله على الانتقام بالقحط والقتل والسبي والجلاء.
وقرأ أبي. وأبو جعفر. وشيبة. وابن مقسم. والزعفراني. وغيرهم * (أو لو جئناكم) * بنون المتكلمين وهي تؤيد ما ذهبنا إليه والأمر بالنظر فيما انتهى إليه حال المكذبين تسلية له صلى الله عليه وسلم وإرشاد إلى عدم الاكتراث بتكذيب قومه إياه عليه الصلاة والسلام.
* (وإذ قال إبراهيم لابيه وقومه إننى برآء مما تعبدون) *.
* (وإذ قال إبراهيم) * أي واذكر لهم وقت قوله عليه الصلاة والسلام * (لأبيه) * آزر * (وقومه) * المكبين على التقليد كيف تبرأ مما هم فيه بقوله:
* (إنني براء مما تعبدون) * وتمسك بالبرهان، والكلام تمهيد لما أهل مكة فيه من العناد والجسد والإباء عن تدبر الآيات وأنهم لو قلدوا آباءهم لكان الأولى أن يقلدوا آباهم الأفضل الأعلم الذي هم يفتخرون بالانتماء إليه وهو إبراهيم عليه السلام فكأنه بعد تعييرهم على التقليد ويعيرهم على أنهم مسيئون في ترك اختياره أيضا.
وبراء مصدر كالطلاق نعت به مبالغة ولذلك يستوي فيه الواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث.
وقرأ الزعفراني. والقورصي عن أبي جعفر. وابن المنذري. عن نافع * (براء) * بضم الباء وهو اسم مفرد كطول وكرام بضم الكاف، وقرأ الأعمش * (بري) * وهو وصف كطويل وكريم وقراءة العامة لغة العالية وهذه لغة نجد.
وقرأ الأعمش أيضا * (إني) * بنون مشددة دون نون الوقاية.
* (إلا الذى فطرنى فإنه سيهدين) *.
* (إلا الذي فطرني) * استثناء متصل إن قلنا إن ما عامة لذوي العلم وغيرهم وأنهم كانوا يعبدون الله تعالى والأصنام وليس هذا من الجمع بين الله تعالى وغيره سبحانه الذي يجب اجتنابه لما فيه من إيهام التسوية بينه سبحانه وبين غيره جل وعلا لظهور ما يدل على خلاف ذلك في الكلام أو منقطع بناء على أن ما مختصة بغير ذوي العلم وأنه لا يناسب التغليب أصلا وأنهم لم يكونوا يعبدونه تعالى أو أنهم كانوا يعبدونه عز وجل إلا أن عبادته سبحانه مع الشرك في حكم العدم، وعلى الوجهين محل الموصول النصب، وأجاز الزمخشري أن يكون في محل جر على أنه بدل من ما المجرور، بمن، وفيه بحث لأنه يصير استثناء من الموجب ولم يجوزوا فيه البدل، ووجهه أنه في معنى النفي لأن معنى * (إنني براء مما تعبدون) * لا أعبد ما تعبدون فهو نظير قوله تعالى: * (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) * (التوبة: 32) إلا أن ذلك في المفرغ وهذا فيما ذكر فيه المستثنى منه وهم لا يخصونه بالمفرغ ولا بألفاظ مخصوصة أيضا كأبي وقلما، نعم إن أبا حيان يأبى إلا أنه موجب ولا يعتبر النفي معنى، وأجاز أيضا أن تكون * (إلا) * صفة بمعنى غير على أن * (ما) * في ما * (تبعدون) * نكرة موصوفة والتقدير إنني براءة من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني نظير قوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) واعتبار ما نكرة موصوفة بناء على أن إلا لا تكون صفة إلا لنكرة وكذا اعتبارها بمعنى الجمع بناء على اشتراط كون النكرة الموصوفة بها كذلك، والمسألة خلافية، فمن النحويين من قال إن إلا يوصف بها المعرفة والنكرة مطلقا وعليه لا يحتاج إلى اعتبار كون ما نكرة بمعنى آلهة، وفي جعل الصلة * (فطرني) * تنبيه على أنه لا يستحق العبادة إلا الخالق للعابد * (فإنه سيهدين) * يثبتني على الهداية فالسين للتأكيد لا للاستقبال لأنه جاء في الشعراء يهدين بدونها والقصة واحدة، والمضارع في الموضعين للاستمرار، وقيل: المراد * (سيهدين) * إلى وراء ما هداني إليه أولا فالسين على ظاهرها والتغاير في الحكاية والمحكي بناء على تكرر القصة * (وجعلها) * الضمير المرفوع المستتر لإبراهيم عليه السلام أو لله عز وجل والضمير المنصوب لكلمة التوحيد أعني لا إله
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»