تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٦٧
ولا ينافي ذلك كريتها لمكان العظم، وعن عاصم أنه قرأ * (مهدا) * بدون ألف * (وجعل لكم فيها سبلا) * طرقا تسكلونها في أسفاركم * (لعلكم تهتدون) * أي لكي تهتدوا بسلوكنها إلى مقاصدكم أو بالتفكر فيها إلى التوحيد الذي هو المقصد الأصلي.
* (والذى نزل من السمآء مآء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون) *.
* (والذي نزل من السماء ماء بقدر) * أي بمقدار تقتضيه المشيئة المبنية على الحكم والمصالح ولا يعلم مقدار ما ينزل من ذلك في كل سنة على التحقيق إلا الله عز وجل، والآلة التي صنعها الفلاسفة في هذه الأعصار المسماة بالاودوميتر يزعمون أنه يعرف بها مقدار المطر النازل في كل بلد من البلاد في جميع السنة لا تفيد تحقيقا في البقعة الواحدة الصغيرة فضلا عن غيرها كما لا يخفى على المنصف. وفي " البحر " بقدر أي بقضاء وحتم في الأزل، والأول أولى * (فأنشرنا به) * أي أحيينا بذلك الماء * (بلدة ميتا) * خالية عن النماء والنبات بالكلية.
وقرأ أبو جعفر. وعيسى * (ميتا) * بالتشديد، وتذكيره لأن البلدة في معنى البلد والمكان، قال الجلبي: لا يبعد والله تعالى أعلم أن يكون تأنيث البلد وتذكير * (ميتا) * إشارة إلى بلوغ ضعف حاله الغاية، وفي الكلام استعارة مكنية أو تصريحية.
والالتفات في * (أنشرنا) * إلى نون العظمة لإظهار كمال العناية بأمر الإحياء والإشعار بعظم خطره * (كذلك) * أي مثل ذلك الإنشار الذي هو في الحقيقة إخراج النبات من الأرض وهو صفة مصدر محذوف أي إنشارا كذلك * (تخرجون) * أي تبعثون من قبوركم أحياء، وفي التعبير عن إخراج النبات بالإنشار الذي هو إحياء الموتى وعن إحيائهم بالإخراج تفخيم لشأن الإنبات وتهوين لأمر البعث، وفي ذلك من الرد على منكريه ما فيه.
وقرأ ابن وثاب. وعبد الله بن جبير. وعيسى. وابن عامر. والأخوان * (تخرجون) * مبنيا للفاعل.
* (والذى خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والانع‍ام ما تركبون) *.
* (والذي خلق الأزواج كلها) * أي أصناف المخلوقات فالزوج هنا بمعنى الصنف لا بمعناه المشهور، وعن ابن عباس الأزواج الضروب والأنواع كالحلو. والحامض. والأبيض. والأسود. والذكر. والأنثى، وقيل: كل ما سوى الله سبحانه زوج لأنه لا يخلو من المقابل كفوق وتحت ويمين وشمال وماض ومستقبل إلى غير ذلك والفرد المنزه عن المقابل هو الله عز وجل، وتعقب بأن دعوى اطراده في الموجودات بأسرها لا تخلو عن النظر.
ولعل من قال: كل ما سوى الله سبحانه زوج لم يبن الأمر على ما ذكر وإنما بناه على أن الواجب جل شأنه واحد من جميع الجهات لا تركيب فيه سبحانه بوجه من الوجوه لا عقلا ولا خارجا ولا كذلك شيء من الممكنات مادية كانت أو مجردة * (وجعل لكم من الفلك والأنعم ما تركبون) * أي ما تركبونه، فما موصولة والعائد محذوف، والركوب بالنظر إلى الفلك يتعدى بواسطة الحرف وهو في كما قال تعالى: * (فإذا ركبوا في الفلك) * (العنكبوت: 65) بخلافه لا بالنظر إليه فإنه يتعدى بنفسه كما قال سبحانه: * (لتركبوها) * (النحل: 8) إلا أنه غلب المتعدي بغير واسطة لقوته على المتعدي بواسطة فالتجوز الذي يقتضيه التغليب بالنسبة إلى المتعلق أو غلب المخلوق للركوب على المصنوع له لكونه مصنوع الخالق القدير أو الغالب على النادر فالتجوز في * (ما) * وضميره الذي تعدى الركوب إليه بنفسه دون النسبة إلى المفعول ولتغليب ما ركب من الحيوان على الفلك.
* (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبح‍ان الذى سخر لنا ه‍اذا وما كنا له مقرنين) *.
* (لتستووا على ظهوره) * حيث عبر عن القرار على الجميع بالاستواء على الظهور المخصوص بالدواب والضمير - لما تركبون - وأفرد رعاية للفظ، وجمع ظهور مع إضافته إليه رعاية لمعناه، والظاهر أن لام * (لتستووا) * لام كي، وقال الحوفي: من أثبت لام الصيرورة جاز له
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»