تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٧٣
بل قيل: إنه الأصل وعلى كل هو قول عن ظن وتخمين، وقوله تعالى:
* (أم ءاتين‍اهم كت‍ابا من قبله فهم به مستمسكون) *.
* (أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون) * إضراب عن نفي أن يكون لهم بذلك علم من طريق العقل إلى إبطال أن يكون لهم سند من جهة النقل؛ فأم منقطعة لا متصلة معادلة لقوله تعالى: * (أشهدوا) * كما قيل لبعده.
وضمير * (قبله) * للقرآن لعلمه من السياق أو الرسول عليه الصلاة والسلام، وسين مستمسكون للتأكيد لا للطلب أي بل أآتيناهم كتابا من قبل القرآن أو من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ينطق بصحة ما يدعونه فهم بذلك الكتاب متمسكون وعليه معولون، وقوله جل وعلا:
* (بل قالوا إنا وجدنآ ءابآءنا على أمة وإنا على ءاث‍ارهم مهتدون) *.
* (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) * إبطال لأن يكون لهم حجة أصلا أي لا حجة لهم على ذلك عقلية ولا نقلية وإنما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم، والأمة الدين والطريقة التي تؤم أي كالرحلة للرجل العظيم الذي يقصد في المهمات يقال: فلان لا أمة له أي لا دين ولا نحلة، قال الشاعر: كنا على أم آبائنا * ويقتدي بالأول الآخر وقال الجبائي: الأمة الجماعة والمراد وجدنا آباءنا متوافقين على ذلك، والجمهور على الأول وعليه المعول، ويقال فيها إمة بكسر الهمزة أيضا وبها قرأ عمر بن عبد العزيز. ومجاهد. وقتادة. والجحدري.
وقرأ ابن عياش * (أمة) * بفتح الهمزة، قال في " البحر ": أي على قصد وحال، و * (على آثارهم مهتدون) * قيل خبر إن لأن، وقيل: على آثارهم صلة * (مهتدون) * ومهتدون هو الخبر، هذا وجعل الزمخشري الآية دليلا على أنه تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء سبحانه الايمان، وكفر أهل السنة القائلين بأن المقدورات كلها بمشيئة الله تعالى، ووجه ذلك بأن الكفار لما ادعوا أنه تعالى شاء منهم الكفر حيث قالوا: * (لو شاء الرحمن) * الخ أي لو شاء جل جلاله منا أن نترك عبادة الأصنام تركناها رد * (الله) * تعالى ذلك عليهم وأبطل اعتقادهم بقوله سبحانه: * (ما لهم بذلك من علم) * (الزخرف: 20) الخ فلزم حقيقة خلافه وهو عين ما ذهب إليه، والجملة عطف على قوله تعالى: * (وجعلوا له من عباده جزأ) * (الزخرف: 15) أو على * (جعلوا الملائكة) * (الزخرف: 19) الخ فيكون ما تضمنته كفرا آخر ويلزمه كفر القائلين بأن الكل بمشيئته عز وجل، ومما سمعت يعلم رده، وقيل: في رده أيضا: يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى أصل الدعوى وهو جعل الملائكة عليهم السلام بنات الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا دون ما قصدوه من قولهم: * (لو شاء) * الخ وما ذكر بعد أصل الدعوى من تتمتها فإنه حكاية شبهتهم المزيفة لأن العبادة للملائكة وإن كانت بمشيئته تعالى لكن ذلك لا ينافي كونها من أقبح القبائح المنهي عنها وهذا خلاف الظاهر. وقال بعض الأجلة: إن كفرهم بذلك لأنهم قالواه على جهة الاستهزاء، ورده الزمخشري بأن السياق لا يدل على أنهم قالوه مستهزئين؛ على الله تعالى قد حكى عنهم على سبيل الذم والشهادة بالكفر أنهم جعلوا له سبحانه جزأ وأنه جل وعلا اتخذ بنات واصطفاهم بالبنين وأنهم جعلوا الملائكة المكرمين أناثا وأنهم عبدوهم وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم فلو كانوا ناطقين بها على طريق الهزء لكان النطق بالمحكيات قبل هذا المحكي الذي هو إيمان عنده لوجدوا بالنطق به مدحا لهم من قبل أنها كلمات كفر نطقوا بها على طريق الهزء فبقي أن يكونوا
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»