تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٨٢
الأبياري شارح كتابه ردا عنيفا، وفي هذه الآية للإمام ومن قال بقوله كفاية، وذلك أن الشيطان ذكر فيها منكرا في سياق شرط ونحن نعلم أنه إنما أريد عموم الشياطين لا واحد لوجهين. أحدهما أنه قد ثبت أن لكل أحد شيطانا فكيف بالعاشي عن ذكر الله تعالى والآخر من الآية وهو أنه أعيد عليه الضمير مجموعا في قوله تعالى: * (وانهم) * فإنه عائد إلى الشيطان قولا واحدا ولولا إفادته عموم الشمول لما جاز عود ضمير الجمع عليه بلا اشكال، فهذه نكتة تجد عند سماعها المخالفي هذا الرأي سكتة. والنكتة الثانية أن فيها ردا على من زعم أن العود على معنى من يمنع من العود على لفظها بعد ذلك واحتج لذلك بأنه إجمال بعد تفسير، وهو خلاف المعهود من الفصاحة وقد نقض ذلك الكندي وغيره بآيات، واستخرج جدي من هذه الآية نقض ذلك أيضا لأنه أعيد الضمير على اللفظ في * (يعش. وله) * وعلى المعنى في * (ليصدونهم) * ثم على اللفظ في * (حتى إذا جاءنا) * (الزخرف: 38) وقد قدمت أن الذي منع قد يكون اقتصر بمنعه على مجيء ذلك في جملة واحدة وأما إذا تعددت الجمل واستقلت كل بنفسها فقد لا يمنع ذلك انتهى.
وفي كون ضمير * (أنهم) * عائدا على الشيطان قولا واحدا نظر، فقد قال أبو حيان: الظاهر أن ضمير النصب في * (أنهم ليصدونهم) * عائد على من على المعنى وهو أولى من عود ضمير * (إنهم) * على الشيطان كما ذهب إليه ابن عطية لتناسق الضمائر في * (أنهم) * ومن بعده فلا تغفل * (عن السبيل) * المستبين الذي يدعو إليه ذكر الرحمن * (ويحسبون) * أي العاشون * (أنهم) * أي الشياطين * (مهتدون) * أي إلى ذلك السبيل الحق وإلا لما اتبعوهم أو يحسب العاشون ان أنفسهم مهتدون فإن اعتقاد كون الشياطين مهتدين مستلزم لاعتقاد كونهم كذلك لاتحاد مسلكهما.
والظاهر أن أبا حيان يختار هذا الوجه للتناسق أيضا، والجملة حال من مفعول * (يصدون) * بتقدير المبتدأ أو من فاعله أو منهما لاشتهمالها على ضميريهما أي وأنهم ليصدونهم عن الطريق الحق وهم يحسبون أنهم مهتدون إليه.
وصيغة المضارع في الأفعال الأربعة للدلالة على الاستمرار التجددي لقوله تعالى:
* (حتى إذا جآءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) *.
* (حتى إذا جاءنا) * فإن * (حتى) * وإن كانت ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية لكنها تقتضي حتما أن تكون غاية لأمر ممتد وأفرد الضمير في جاء وما بعده لما أن المراد حكاية مقالة كل واحد من العاشين لقرينه لتهويل الأمر وتفظيع الحال والمعنى يستمر أمر العاشين على ما ذكر حتى إذا جاءنا كل واحد منهم مع قرينة يوم القيامة * (قال) * مخاطبا له: * (يا ليت بيني وبينك) * أي في الدنيا، وقيل: في الآخرة * (بعد المشرقين) * أي بعد كل منهما من الآخر، والمراد بهما المشرق والمغرب كما اختاره الزجاج والفراء وغيرهما لكن غلب المشرق على المغرب وثنيا كالموصلين للموصول والجزيرة وأضيف البعد إليهما، والأصل بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق وإنما اختصر هذا المبسوط لعدم الالباس إذ لا خفاء أنه لا يراد بعدهما من شيء واحد لأن البعد من احدهما قرب من الآخر ولأنهما متقابلان فبعد أحدهما من الآخر مثل في غاية البعد لا بعدهما عن شيء آخر، واشعار السياق بالمبالغة لا ينكر فلا لبس من هذا الوجه أيضا، وقال ابن السائب: لا تغليب، والمراد مشرق الشمس في أقصر يوم من السنة ومشرقها في أطول يوم منها * (فبئس القرين) * أي أنت، وقيل: أي هو على أنه من كلامه تعالى وهو كما ترى.
وقرأ أبو جعفر. وشيبة. وأبو بكر. والحرميان. وقتادة والزهري. والجحدري * (جاءانا) * على التثنية أي العاشي والقرين
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»