أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين * (وما كنا له مقرنين) * أي مطيقين، وأنشد قطرب لعمرو بن معدي كرب: لقد علم القبائل ما عقيل * لنا في النائبات بمقرنينا وهو من أقرن الشيء إذا أطاقه، قال ابن هرمة: وأقرنت ما حملتني ولقلما * يطاق احتمال الصد يا دعد والهجر وحقيقة أقرنه وجده قرينته وما يقرن به لأن الصعب لا يكون قرينة للضعيف ألا ترى إلى قولهم في الضعيف لا تقرن به الصعبة، والقرن الحبل الذي يقرن به، قال الشاعر: وابن اللبون إذا ما لز في قرن * لم يستطع صولة البزل القنا عيس وحاصل المعنى أنه ليس لنا من القوة ما يضبط به الدابة والفلك وإنما الله تعالى هو الذي سخر ذلك وضبطه لنا.
أخرج عبد بن حميد. وابن المنذر عن سليمان بن يسار أن قوما كانوا في سفر فكانوا إذا ركبوا قالوا: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وكان فيهم رجل له ناقة رزام فقال: أما أنا فلهذه مقرن فقمصت به فصرعته فاندقت عنقه، وقرىء * (مقرنين) * بتشديد الراء مع فتحها وكسرها وهما بمعنى المخفف.
* (وإنآ إلى ربنا لمنقلبون) *.
* (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) * أي راجعون، وفيه إيذان بأن حق الراكب أن يتأمل فيما يلابسه من السير ويتذكر منه المسافرة العظمى التي هي الانقلاب إلى الله تعالى فيبني أموره في مسيره ذلك على تلك الملاحظة ولا يأتي بما ينافيها، ومن ضرورة ذلك أن يكون ركوبه لأمر مشروع، وفيه إشارة إلى أن الركوب مخطرة فلا ينبغي أن يغفل فيه عن تذكر الآخرة.
* (وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين) *.
* (وجعلوا له من عباده جزءا) * متصل بقوله تعالى: * (ولئن سألتهم) * إلى آخره فهو حال من فاعل * (ليقولن) * بتقدير قد أو بدونه، والمراد بيان أنهم مناقضون مكابرون حيث اعترفوا بأنه عز وجل خالق السموات والأرض ثم وصفوه سبحانه بصفات المخلوقين وما يناقض كونه تعالى خالقا لهما فجعلوا له سبحانه جزأ وقالوا: الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، وعبر عن الولد بالجزء لأنهب ضعة ممن هو ولد له كما قيل: أولادنا أكبادنا، وفيه دلالة على مزيد استحالته على الحق الواحد الذي لا يضاف إليه انقسام حقيقة ولا فرضا ولا خارجا ولا ذنا جل شأنه وعلا، ولتأكيد أمر المناقضة لم يكتف بقوله تعالى: * (جزأ) * وقيل * (من عباده) * لأنه يلزمهم على موجب اعترافهم أن يكون ما فيهما مخلوقه تعالى وعبده سبحانه إذ هو حادث بعدهما محتاج إليهما ضرورة.
وقيل: الجزء اسم للإناث يقال: أجزأت المرأة إذ ولدت أنثى، وأنشد قول الشاعر: إن أجزأت حرة يوما فلا عجب * قد تجزىء الحرة المذكار أحيانا وقوله: زوجتها من بنات الأوس مجزئة * للعوسج اللدن في أنيابها زجل وجعل ذلك الزمخشري من بدع التفاسير وذكر أن ادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث كذب عليهم ووضع مستحدث منخول وأن البيتين مصنوعان، وقال الزجاج: في البيت الأول لا أدري قديم أم مصنوع.
ووجه بعضهم ذلك بأن حواء خلقت من جزء آدم عليه السلام فاستعير لكل الإناث.
وقرأ أبو بكر عن عاصم * (جزأ) * بضمتين، ثم للكلام وإن سيق للفرض المذكور يفهم منه كفرهم لتجسيم الخالق تعالى والاستخفاف به جل وعلا حيث جعلوا له سبحانه أخس النوعين بل إثبات ذلك يستدعي الإمكان