تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٧٢
بالمشاهدة، وهذا كقوله تعالى: * (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون) * (الصافات: 150) وفيه تجهيل لهم وتهكم بهم، وإنما لم يتعرض لنفي الدلائل النقلية لأنها في مثل هذا المطلب مفرعة على القول بالنبوة وهم الكفرة الذين لا يقولون بها ولنفي الدلائل العقلية لظهور انتفائها والنفي المذكور أظهر في التهكم فافهم، وقرأ نافع * (أأشهدوا) * بهمزة داخلة على أشهد الرباعي المبني للمفعول، وفي رواية أنه سهل هذه الهمزة فجعلها بين الهمزة والواو وهي رواية عن أبي عمرو، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. ومجاهد، وفي أخرى أنه سهلها وأدخل بينها وبين الأولى ألفا كراهة اجتماع همزتين ونسبت إلى جماعة، والاكتفاء بالتسهيل أوجه، وقرأ الزهري وناس: * (اشهدوا) * بغير استفهام مبنيا للمفعول رباعيا فقيل المعنى على الاستفهام نحو قوله: قالوا تحبها قلت بهرا وهو الظاهر، وقيل: على الإخبار، والجملة صفة * (إناثا) * وهم وإن لم يشهدوا خلقهم لكن نزلوا لجراءتهم على ذلك منزلة من أشهد أو المراد أنهم أطلقوا عليهم الإناث المعروفات لهم اللاتي اشهدوا خلقهن لا صنفا آخر من الإناث؛ ولا يخفى ما في كلا التأويلين من التكلف * (ستكتب) * في ديوان أعمالهم * (شهادتهم) * التي شهدوا بها على الملائكة عليهم السلام، وقيل: سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما يدريكم أنهم إناث فقالوا: سمعنا ذلك من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا فقال الله تعالى: * (ستكتب شهادتهم) * * (ويسئلون) * عنها يوم القيامة، والكلام وعيد لهم بالعقاب والمجازاة على ذلك والسين للتأكيد، وقيل: يجوز أن تحمل على ظاهرها من الاستقبال ويكون ذلك إشارة إلى تأخير كتابة السيآت لرجاء التوبة والرجوع كما ورد في الحديث إن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيآت فإذا أراد أن يكتبها قال له: توقف فيتوقف سبع ساعات فإن استغفر وتاب لم يكتب فلما كان ذلك من شأن الكتابة قرنت بالسين، وكونهم كفارا مصرين على الكفر لا يأباه. وقرأ الزهري * (سيكتب) * بالياء التحتية مبنيا للمفعول، وقرأ الحسن كالجمهور إلا أنه قرأ * (شهاداتهم) * بالجمع وهي قولهم: إن لله سبحانه جزأ وإن له بنات وإنها الملائكة، وقيل: المراد ما أريد بالمفرد والجمع باعتبار التكرار، وقرأ ابن عباس. وزيد بن علي. وأبو جعفر. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة. والجحدري. والأعرج * (سنكتب) * بالنون مبنيا للفاعل * (شهادتهم) * بالنصب والإفراد.
وقرأت فرقة * (سيكتب) * بالياء التحتية مبنيا للفاعل وبإفراد * (شهادتهم) * ونصبها أي سيكتب الله تعالى شهادتهم.
وقرىء * (يساءلون) * من المفاعلة للمبالغة.
* (وقالوا لو شآء الرحم‍ان ما عبدن‍اهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) *.
* (وقالوا لو شاء الرحم‍ان ما عبدناهم) * عطف على قوله سبحانه: * (وجعلوا الملائكة) * (الزخرف: 12) الخ إشارة إلى أنه من جنس ادعائهم أنوثة الملائكة في أنهم قالوه من غير علم، ومرادهم بهذا القول على ما قاله بعض الأجلة الاستدلال بنفي مشيئة الله تعالى ترك عبادة الملائكة عليهم السلام على امتناع النهي عنها أو على حسنها فكأنهم قالوا: إن الله تعالى لم يشأ ترك عبادة الملائكة عليهم السلام على امتناع النهي عنها أو على حسنها فكأنهم قالوا: إن الله تعالى لم يشأ ترك عبادتنا الملائكة ولو شاء سبحانه ذلك لتحقق بل شاء جل شأنه العبادة لأنها المتحققة فتكون مأمورا بها أو حسنة ويمتنع كونها منهيا عنها أو قبيحة، وهو استدلال باطل لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض حسنا كان أو قبيحا فلذلك جهلوا بقوله سبحانه: * (ما لهم بذلك) * القول على الوجه الذي قصدوه منه، وحاصله يرجع إلى الإشارة إلى زعمهم أن المشيئة تقتضي طباق الأمر لها أو حسن ما تعلقت به * (من علم) * يستند إلى سند ما.
* (إن هم إلا يخرصون) * أي يكذبون كما فسره به غير واحد، ويطلق الخرص على الحزر وهو شائع
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»