سورة الجاثية وتسمى سورة الشريعة. وسورة الدهر كما حكاه الكرماني في العجائب لذكرهما فيها، وهي مكية قال ابن عطية: بلا خلاف، وذكر الماوردي إلا * (قل للذين آمنوا يغفروا) * (الجاثية: 14) الآية فمدنية، وحكى هذا الاستثناء في جمال القراء عن قتادة، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى. وهي سبع وثلاثون آية في الكوفي وست وثلاثون في الباقية لاختلافهم في * (حم) * هل هي آية مستقلة أولا، ومناسبة أولها لآخر ما قبلها في غاية الوضوح.
* (حم) *.
* (حم) * إن جعل اسما للسورة فمحله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذا مسمى بحم، وقوله تعالى:
* (تنزيل الكتابمن الله العزيز الحكيم) *.
* (تنزيل الكتاب) * خبر بعد خبر على أنه مصدر أطلق على المفعول مبالغة، وقوله سبحانه: * (من الله العزيز الحكيم) * صلته أو خبر ثالث أو حال من * (تنزيل) * عاملها معنى الإشارة أو من * (تنزيل) * عاملها معنى الإشارة أو من * (الكتاب) * الذي هو مفعول معنى عاملها المضاف، وقيل: * (حم) * مبتدأ وهذا خبره والكلام على المبالغة أيضا أو تأويل * (تنزيل) * بمنزل، والإضافة من إضافة الصفة لموصوفها، واعتبار المبالغة أولى أو المسمى به تنزيل الخ. وتعقب بأن الذي يجعل عنوانا للموضوع حقه أن يكون قبل ذلك معلوم الانتساب إليه وإذ لا عهد بالتسمية بعد فحقها الاخبار بها، وجوز جار الله جعل * (حم) * مبتدأ بتقدير مضاف أي تنزيل حم و * (تنزيل) * المذكور خبره و * (من الله) * صلته، وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر إيذانا بأنه الكتاب الكامل إن أريد بالكتاب السورة، وفيه تفخيم ليس في تنزيل حم تنزيل من الله، ولهذا لما لم يراع في حم السجدة هذه النكتة عقب بقوله تعالى: * (كتاب فصلت) * ليفيد هذه الفائدة مع التفنن في العبارة، وإن أريد الكتاب كله فللاشعار بأن تنزيله كإنزال الكل في حصول الغرض من التحدي والتهدي، فدعوى عراء هذا الوجه عن فائدة يعتد بها عراء عن إنصاف يعتد به. وإن جعل تعديدا للحروف فلا حظ له من الإعراب وكان * (تنزيل) * خبر مبتدأ مضمر يلوح به ما قبله أي المؤلف من جنس ما ذكر تنزيل الكتاب أو مبتدأ خبره الظرف بعده على ما قاله جار الله، وقيل: * (حم) * مقسم به ففيه حرف جر مقدر وهو في محل جر أو نصب على الخلاف المعروف فيه و * (تنزيل) * نعت مقطوع فهو خبر مبتدأ مقدر والجملة مستأنفة وجواب القسم قوله تعالى:
* (إن فى السماوات والارض لايات للمؤمنين) *.
* (إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين) * وهو على ما تقدم استئناف للتنبيه على الآيات التكوينية، وجوز أن يكون * (تنزيل الكتاب من الله) * مبتدأ وخبرا والجملة جواب القسم، وهو خلاف الظاهر، وقيل: يدر * (حم) * على كونه مقسما به مبتدأ محذوف الخبر أي حم قسمي ويكون * (تنزيل) * نعتا له غير مقطوع، وعلى سائر الأوجه قوله سبحانه: * (العزيز الحكيم) * نعت للاسم الجليل.
وجوز الإمام كونه صفة للكتاب ءلا أنه رجح الأول بعد احتياجه إلى ارتكاب المجاز مع زيادة قرب الصفة من الموصوف فيه، وأوجبه أبوحيان لما في الثاني من الفصل بين الصفة والموصوف الغير الجائز.
وقوله عز وجل: * (إن في السموات) * الخ يجوز أن يكون بتقدير مضاف أي إن في خلق السموات كما رواه الواحدي عن الزجاج لما أنه قد صرح به في آية أخرى والقرآن يفسر بعضه بعضا، ويناسبه قوله عز وجل:
* (وفى خلقكم وما يبث من دآبة ءايات لقوم يوقنون) *.