تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١١١
والصك كذلك أن الله عز وجل يكتب لعباده المؤمنين البراءة والصك في هذه الليلة. وظاهر كلامهم هنا أن البراءة وهي مصدر بريء براءة إذا تخلص تطلق على صك الأعمال والديون وما ضاهاها وأنه ورد في الآثار ذلك وهو مجاز مشهور وصار بذلك كالمشترك، وفي المغرب بريء من الدين والعيب براءة، ومنه البراءة لخط الابراء والجمع براءات وبروات عامية اه‍.
وأكثر أهل اللغة على أنه لم يسمع من العرب وأنه عامي صرف وإن كان من باب المجاز الواسع.
قال ابن السيد في المقتضب البراءة في الأصل مصدر برىء براءة، وأما البراءة المستعملة في صناعة الكاتب فتسميتها بذلك اما على أنها من برىء من دينه إذا أداه وبرئت من الأمر إذا تخيلت منه فكأن المطلوب منه أمر تبرأ إلى الطالب أو تخلي، وقيل: أصله أن الجاني كان إذا جنى وعفا عنه الملك تب له كاتب أمان مما خافه فكان يقال: كتب السلطان لفلان براءة ثم عمم ذلك فيما كتب من أولي الأمر وأمثالهم اه‍.
وذكروا في فضل هذه الليلة أخبارا كثيرة، منها ما أخرجه ابن ماجه. والبيهقي في شعب الإيمان عن علي كرم الله وجهه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلي فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر " وما أخرجه الترمذي. وابن أبي شيبة. والبيهقي. وابن ماجه. عن عائشة قالت: " فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فخرجت أطلبه فإذا هو بالبيقع رافعا رأسه إلى السماء فقال يا عائشة: أكنت تخافين أن يحيف الله تعالى عليك ورسوله؟ قلت: ما بي من ذلك ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماءالدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب " وما أخرجه أحمد بن حنبل في المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يطلع الله تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن وقاتن نفسه " وذكر بعضهم فيها صلاة مخصوصة وأنها تعدل عشرين حجة مبرورة وصيام عشرين سنة مقبولا، ولاوي في ذلك حديثا طويلا عن علي كرم الله تعالى وجهه، وقد أخرجه البيهقي ثم قال: يشبه أن يكون هذا الحديث موضوعا وهو منكر وفي رواته مجهولون وأطال الوعاظ الكلام في هذه الليلة وذكر فضائلها وخواصها، وذكروا عدة أخبار في أن الآجال تنسخ فيها. وفي الدر المنثور طرف غير يسير من ذلك وسنذكر بعضا منه إن شاء الله تعالى. وفي البحر قال الحافظ أبو بكر بن العربي: لا يصح فيها شيء ولا نسخ الآجال فيها ولا يخلو من مجازفة والله تعالى أعلم. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملة إلى السماء الدنيا من الولح فالإنزال المنجم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أن المحل الذي أنزل فيه من تلم السماء البيت المعمور وهو مسامت للكعبة بحيث لو نزل لنزل عليها.
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه قال: نزل القرآن جملة على جبريل عليه السلام وكان جبريل عليه السلام يحجيء به بعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال غير واحد: المراد ابتداء إنزاله في تلك الليلة على التجوز في الطرف أو النسبة واستشكل ذلك بأن
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»