تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٠١
المفهومة مما تقدم وهو كما ترى * (خالدون) * دائمون أبد الآبدين، والجملة داخلة في حيز النداء وهي كالتأكيد لقوله تعالى: * (لا خوف عليكم) * ونودوا بذلك إتماما للنعمة وإكمالا للسرور فإن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ وخوف الزوال ومستعقب للتحسر في ثاني الأحوال، ولله تعالى در القائل: وإذا نظرت فإن بؤسا زائلا * للمرء خير من نعيم زائل وعن النصرأباذي أنه إن كان خلودهم لشهوة الأنفس ولذة الأعين فالفناء خير من ذلك وإن كان لفناء الأوصاف والاتصاف بصفات الحق والمقام فيها على سرر الرضا والمشاهدة فأنتم إذا أنتم، وأنت تعلم أن ما ذكره يدخل في عموم ما تقدم دخولا أوليا، وذكر بعضهم هنا أن الخطاب هنا من باب الالتفات وأنه للتشريف.
وقال الطيبي: ذق مع طبعك المستقيم معنى الخطاب والالتفات وتقديم الظرف في * (وأنتم فيها خالدون) * لتقف على ما لا يكتنهه الوصف.
* (وتلك الجنة التىأورثتموها بما كنتم تعملون) *.
* (وتلك الجنة) * مبتدأ وخبر وقوله تعالى: * (التي أورثتموها) * صفة الجنة وقوله سبحانه: * (بما كنتم تعملون) * متعلق بأورثتموها، وقيل: * (تلك الجنة) * مبتدأ وصفة و * (التي أورثتموها) * الخبر والجار بعده متعلق به، وقيل: تلك مبتدأ والجنة صفتها والتي أورثتموها صفة الجنة وبما كنتم متعلق بمحذوف هو الخبر.
والإشارة على الوجه الأول إلى الجنة المذكورة في قوله تعالى: * (ادخلوا الجنة) * وعلى الأخيرين إلى الجنة الواقعة صفة على ما قيل، والباء للسببية أو للمقابلة، وقد شبه ما استحقوه بأعمالهم الحسنة من الجنة ونعيمها الباقي لهم بما يخلفه المرء لوارثه من الأملاك والأرزاق ويلزمه تشبيه العمل نفسه بالمورث اسم فاعل فاستعير الميراث لما استحقوه ثم اشتق أورثتموها فيكون هناك استعارة تبعية، وقال بعض: الاستعارة تمثيلية.
وجوز أن تكون مكنية، وقيل: الإرث مجاز مرسل للنيل والأخذ، وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار فالكافر يرث المؤمن منزله في النار والمؤمن يرث الكافر منزله في الجنة وذلك قوله تعالى: * (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) * ولا يخلو الكلام عن مجاز عليه أيضا، وأيا ما كان فسببية العمل لإيراث الجنة ونيلها ليس إلا بفضل الله تعالى ورحمته عز وجل، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: " لن يدخل أحدكم الجنة عمله " ففي إدخال العمل الجنة على سبيل الاستقلال والسببية التامة فلا تعارض.
وأخرج هناد. وعبد بن حميد في الزهر عن ابن مسعود قال: تجوزون الصراط بعفو الله تعالى وتدخلون الجنة برحمة الله تعالى وتقتسمون المنازل بأعمالكم فتأمل.
وقرىء * (ورثتموها) *.
* (لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون) *.
* (منها تأكلون) * أي لا تأكلون إلا بعضها وأعقابها باقية في أشجارها فهي مزينة بالثمار أبدا موقرة بها لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا، وفي الحديث " لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها ءلا نبت مكانها مثلاها " فمن تبعيضية وجوز كونها ابتدائية، والتقديم للحصر الإضافي وقيل لرعاية الفاصلة.
ولعل تكرير ذكر المطاعم في القرآن العظيم مع أنها كلا شيء بالنسبة إلى سائر أنواع نعيم الجنة لما كان بأكثرهم في الدنيا من الشدة والفاقة فهو تسلية لهم، وقيل: إن ذلك لكون أكثر المخاطبين عواما نظرهم مقصور على الأكل والشرب. وتعقب بأنه غير تام وللصوفية، كلام سيأتي في مواضع إن شاء الله تعالى عز وجل:
* (إن المجرمين فى عذاب جهنم خ‍الدون) *.
* (إن المجرمين) *
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»