تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٠٧
والاعتبار والمراد هنا الثاني ولا شك أن طريق عبادة أهل السماء له تعالى غير طريق عبادة أهل الأرض على ما يشهد به تتبع الآثار فإذا كان إله بمعنى معبود كان معنى الآية أنه تعالى معبود في السماء على وجه ومعبود في الأرض على وجه آخر، وإن كان بمعنى التحير فيه فالتحير في أهل السماء غير التحير في أهل الأرض فلا جرم تكون أطوارهم مخالفة لأطوار أهل الأرض، ومن ذلك اختلاف علومهم فإن علوم أهل الأرض إن كانت ضرورية فأكثرها مستندة إلى الحس وإن كانت نظرية كانت مكتسبة من النظر فإذا انسد طريق النظر والحس عجزوا وتحيروا ولا كذلك أهل السماء لتنزههم عن الكسب والحسن فتحيرهم على نحو آخر، أو نقول التحير في إدراك ذاته تعالى وصفاته إنما ينشأ من مشاهدة آثار عظمته وكمال قدرته سبحانه ولا شك أن تلك الآثار في السماء أعظم من الآثار في الأرض وعليه فيجوز أن يكون الإله بمعنى المتحير فيه ويكون مجازا عن عظيم الشأن من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم فيكون المعنى أنه تعالى عظيم الشأن في السماء على نحو وعظيم الشأن في الأرض على نحو آخر اه‍، ولا يخلو عن شيء كما لا يخفى * (وهو الحكيم العليم) * كالدليل على النفي والاختصاص المشار إليهما فإن من لا يتصف بكمال الحكمة والعلم لا يستحق الإلهية.
* (وتبارك الذى له ملك السم‍اوات والارض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون) *.
* (وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما) * كالهواء ومخلوقات الجو المشاهدة وغيرها * (وعنده علم الساعة) * أي العلم بالساعة أي الزمان الذي تقوم القيامة فيه فالمصدر مضاف لمفعوله، والساعة بمعناها اللغوي وهو مقدار قليل من الزمان، ويجوز أن يراد بها معناها الشرعي وهو يوم القيامة، والمحذور مندفع بأدنى تأمل، وفي تقديم الخبر إشارة إلى استئثاره تعالى بعلم ذلك * (وإليه ترجعون) * للجزاء، والالتفات إلى الخطاب للتهديد، وقرأ الأكثر بياء الغيبة والفعل في القراءتين مبني للمفعول؛ وقرىء بفتح تاء الخطاب والبناء للفاعل، وقرىء * (تحشرون) * بتاء الخطاب أيضا والبناء للمفعول.
* (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشف‍اعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) *.
* (ولا يملك الذين يدعون) * أي ولا يملك آلهتهم الذين يدعونهم * (من دونه الشفاعة) * كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله عز وجل، وقرىء * (تدعون) * بتاء الخطاب والتخفيف؛ والسلمي. وابن وقاب بها وشد الدال * (إلا من شهد بالحق) * الذي هو الوتحيد * (وهم يعلمون) * أي يعلمونه، والجملة في موضع الحال، وقيد بها لأن الشهادة عن غير علم بالمشهود به لا يعول عليها، وجمع الضمير باعتبار معنى من كما كما أن الافراد أولا باعتبار لفظه، والمراد به الملائكة. وعيسى وعزيز. وأضرابهم صلاة الله تعالى وسلامه عليهم، والاستثناء قيل: متصل إن أريد بالذين يدعون من دونه كل ما يعبد من دون الله عز وجل ومنفصل إن أريد بذلك الاصنام فقط، وقيل: هو منفصل مطلقا وعلل بإن المراد نفي ملك الآلهة الباطلة السفاعة للكفرة ومن شهد بالحق منها لا يملك الشفاعة لهم أيضا وإنما يملك الشفاعة للمؤمنين فكأنه قيل على تقدير التعميم: ولا يملك الذين يدعونهم من دون الله تعالى كائنين ما كانوا السفاعة لهم لكن من شهد بالحق يملك الشفاعة لمن شاء الله سبحانه من المؤمنين؛ فالكلام نظير قولك) ما جاء القوم إلى إلا زيدا جاء إلى عمرو فتأمل.
وقال مجاهد. وغيره: المراد بمن شهد بالحق المشفوع فيهم، وجعل الاستثناء عليه متصلا والمستثنى منه محذوفا كأنه قيل: ولا يملك هؤلاء الملائكة واضرابهم الشفاعة في أحد إلا فيمن وحد عن إيقان وإخلاص
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»