تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٧٣
فمنهم من أدركه يصلي والسباع حوله فلما هموا ليأخذوه ذبت عنه فأكلتهم، ومنهم من مات في الجبل عطشا، ومنهم من رجع إلى فرعون خائبا فاتهمه وقتله وصبله، فالمراد بآل فرعون هؤلاء الألف الذين بعثهم إلى قتله أي فنزل بهم وأصابهم * (سوء العذاب) * الغرق على الأول وأكل السباع والموت عطشا والقتل والصلب على ما روى عن ابن عباس والنار عليهما ولعله الأولى، وإضافة * (سوء) * إلى العذاب لامية أو من إضافة الصفة للموصوف * (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب) *.
* (النار) * مبتدأ وجملة قوله تعالى * (يعرضون عليها غدوا وعشيا) * خبره والجملة تفسير لقوله تعالى: * (وحاق) * الخ.
وجوز أن تكون * (النار) * بدلا من * (سوء العذاب) * و * (يعرضون) * في ضموع الحال منها أو من الآل، وأن تكون النار خبر مبتدأ محذوف هو ضمير * (سوء العذاب) * كأنه قيل: ما سوء العذاب؟ فقيل: هو النار، وجملة * (يعرضون) * تفسير على ما مر، وفي الوجه الأول من تعظيم أمر النار وتهويل عذابها ما ليس في هذا الوجه كما ذكره " صاحب الكشاف "، ومنشأ التعظيم على ما في " الكشف " الاجمال والتفسير في كيفية تعذيبهم وإفادة كل من الجملتين نوعا من التهويل. الأولى: الإحاطة بعذاب يستحق أن يسمى سوء العذاب. والثانية: النار المعروض هم عليها غدوا وعشيا.
والسر في إفادة تعظيم النار في هذا الوجه دون ما تضمن تفسير * (سوء العذاب) * وبيان كيفية التعذيب أنك إذا فسرت * (سوء العذاب) * بالنار فقد بالغت في تعظيم سوء العذاب. ثم استأنفت بيعرضون عليها تتميما لقوله تعالى: * (وحاق بآل فرعون) * من غير مدخل للنار فيما سيق له الكلام، وإذا جئت بالجملتين من غير نظر إلى المفردين وإن أحدهما تفسير للآخر فقد قصدت بالنار قصد الاستدلال حيث جعلتها معتمد الكلام وجئت بالجملة بيانا وإيضاحا للأولى كأنك قد آذنت بأنها أوضح لاشتمالها على ما لا أسوأ منه أعني النار؛ على أن من موجبات تقديم المسند إليه إنباؤه عن التعظيم مع اقتضاء المقام له وههنا كذلك على ما لا يخفى، والتركيب أيضا يفيد التقوى على نحو زيد ضربته.
ومن هنا قال " صاحب الكشف ": هذا هو الوجه، وأيد بقراءة من نصب * (النار) * بناء على أنها ليست منصوبة بأخص أو أعني بل بإضمار فعل يفسره * (يعرضون) * مثل يصلون فإن عرضهم على النار إحراقهم بها من قولهم: عرض الأساري على السيف قتلوا به، وهو من باب الاستعارة التمثيلية بتشبيه حالهم بحال متاع يبرز لمن يريد أخذه، وفي ذلك جعل النار كالطالب الراغب فيهم لشدة استحقاقهم الهلاك، وهذا العرض لأرواحهم.
أخرج ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. عن هزيل بن شرحبيل أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها.
أخرج ابن أبي شيبة. وهناد. وعبد بن حميد. عن هزيل بن شرحبيل أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها.
وأخرج عبد الرزاق. وابن أبي حاتم عن ابن مسعود نحو ذلك، وهذه الطير صور تخلق لهم من صور أعمالهم، وقيل. ذاك من باب التمثيل وليس بذاك، وذكر الوقتين ظاهر في التخصيص بمعنى أنهم يعرضون على النار صباحا مرة ومساء مرة أي فيما هو صباح ومساء بالنسبة إلينا، ويشهد له ما أخرجه ابن المنذر. والبيهقي في " شعب الايمان " وغيرهما عن أبي هريرة أنه كان له صرختان في كل يوم غدوة وعشية كان يقول أول النهار: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار، ويقول أول الليل: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»