تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٥٧
فضاء، والمراد ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء لأن الأرض يومئذ قاع صفصف وليس عليهم ثياب إنما هم عراة مكشوفون كما جاء في " الصحيحين " عن ابن عباس " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلا " وقيل: المراد خارجون من قبورهم أو ظاهرة أعمالهم وسرائرهم، وقيل: ظاهرة نفوسهم لا تحجب بغواشي الأبدان مع تعلقها بها، ولا يقبل هذا بدون ثبت من المعصوم، والمراد بقوله تعالى: * (منهم) * على ما قيل: من أحوالهم وأعمالهم. وقيل: من أعيانهم، واختير التعميم أي لا يخفى عليه عز شأنه شيء ما من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم الجلية والخفية السابقة واللاحقة.
وقرأ أبي * (لينذر يوم) * ببناء ينذر للفاعل ورفع يوم على الفاعلية مجازا. وقرأ اليماني فيما ذكر صاحب اللوامح * (لينذر) * مبنيا للمفعول * (يوم) * بالرفع على النيابة عن الفاعل. وقرأ الحسن. واليماني فيما ذكر ابن خالويه * (لتنذر) * بالتاء الفوقية فقيل: الفاعل فيه ضمير الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: ضمير الروح لأنها تؤنث؛ وقوله تعالى: * (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) * حكاية لما يسئل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به بتقدير قول معطوف على ما قبله من الجملة المنفية المستأنفة أو مستأنف يقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية بروزهم وظهور أحوالهم كأنه قيل: فما يكون حينئذ؟ فقيل: يقال: * (لمن الملك) * الخ [بم وقوله تعالى:
* (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) *.
* (اليوم تجزى كل نفس) * أي من النفوس البرة والفاجرة * (بما كسبت) * أي من خير أو شر * (لا ظلم اليوم) * بنقص الثواب وزيادة العقاب * (إن الله سريع الحساب) * أي سريع حسابه إذ لا يشغله سبحانه شأن عن شأن فيصل إلى المحاسب من النفوس ما يستحقه سريعا. روي عن ابن عباس أنه تعالى إذا أخذ في حسابهم لم يقل أهل الجنة إلا فيها ولا أهل النار إلا فيها من تتمة الجواب جىء به لبيان إجمال فيه، والتذييل لتعليل ما قبله.
والمنادي بذلك سؤالا وجوابا واحد. أخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال: " يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله تعالى فيها قط ولم يخطأ فيها فأول ما يتكلم أن ينادي مناد * (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار * اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) * (غافر: 16، 17) فأول ما يبدؤن به من الخصومات الدماء " الحديث، وهو عند الحسن الله نفسه عز وجل، وقيل: ملك، وقيل: السائل هو الله تعالى أو ملك والمجيب الناس.
وذكر الطيبي تقريرا لعبارة الكشاف أن قوله تعالى: * (اليوم تجزى) * الخ تعليل فيجب أن يكون السائل والمجيب هو الله عز وجل، فإنه سبحانه لما سأل * (لمن الملك اليوم) * وأجاب هو سبحانه بنفسه * (لله الواحد القهار) * كان المقام موقع السؤال وطلب التعليل فأوقع * (اليوم تجزى) * جوابا عنه يعني إنما اختص الملك بن تعالى لأنه وحده يقدر على مجازاة كل نفس بما كسبت وله العدل التام فلا يظلم أحدا وله التصرف فلا يشغله شأن عن شأن فيسرع الحساب، ولو أوقع * (لله الواحد القهار) * جوابا عن أهل المحشر لم يحسن هذا الاستئناف انتهى، وفيه ما فيه.
والحق أن قوله تعالى: * (اليوم تجزى كل نفس) * الخ إن كان من كلام المجيب كما هو ظاهر حديث ابن مسعود بعد أن يكون من الناس، وجوز فيه أن لا يكون من تتمة الجواب بل هو حكاية لما سيقوله تعالى في ذلك
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»