تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٥٨
اليوم عقيب السؤال والجواب. وأيا ما كان فتخصيص الملك به تعالى في ذلك اليوم إنما هو بالنظر إلى ظاهر الحال من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط وظهور ذلك للكفرة والجهلة. وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما. وذهب محمد بن كعب القرظي إلى أن السؤال والجواب منه تعالى ويكونان بين النفختين حين يفنى عز وجل الخلائق. وروي نحوه عن ابن عباس.
أخرج عبد بن حميد في " زوائد الزهد ". وابن أبي حاتم. والحاكم وصححه. وأبو نعيم في الحلية عنه رضي الله تعالى عنه قال: " ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات وينزل الله سبحانه إلى السماء الدنيا فيقول: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " والسياق ظاهر في أن ذلك يوم القيامة فلعله على تقدير صحة الحديث يكون مرتين. ومعنى جزاء النفوس بما كسبت أنها تجزى خيرا إن كسبت خيرا وشرا إن كسبت شرا. وقيل: إن النفوس تكتسب بالعقائد والأعمال هيآت توجب لذتها وألمها لكنها لا تشعر بها في الدنيا فإذا قامت قيامتها وزالت العوائق أدركت ألمها ولذتها. والظاهر أن هذا قول باللذة والألم الروحانيين ونحن لا ننكر حصولهما يومئذ لكن نقول: إن الجزاء لا ينحصر بهما بل يكون أيضا بلذة وألم جسمانيين. فالاقتصار في تفسير الآية على ذلك قصور.
* (وأنذرهم يوم الازفة إذ القلوب لدى الحناجر ك‍اظمين ما للظ‍المين من حميم ولا شفيع يطاع) *.
* (وأنذرهم يوم الآزفة) * يوم القيامة كما قال مجاهد. وقتادة. وابن زيد، ومعنى * (الآزفة) * القريبة يقال: أزف الشخوص إذا قرب وضاق وقته، فهي في الأصل اسم فاعل ثم نقلت منه وجعلت اسما للقيامة لقربها بالإضافة لما مضى من مدة الدنيا أو لما بقي فإن كل آت قريب، ويجوز أن تكون باقية على الأصل فتكون صفة لمحذوف أي الساعة الآزفة، وقدر بعضهم الموصوفة الخطة بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة وهي القصة والأمر العظيم الذي يستحق أن يخط ويكتب لغرابته، ويراد بذلك ما يقع يوم القيامة من الأمور الصعبة وقربها لأن كل آت قريب، والمراد باليوم الوقت مطلقا أو هو يوم القيامة، وقال أبو مسلم: * (يوم الآزفة) * يوم المنية وحضور الأجل.
ورجح بأنه أبعد عن التكرار وأنسب بما بعده ووصف القرب فيه أظهر * (إذ القلوب لدى الحناجر) * بدل من * (يوم الآزفة) * و * (الحناجر) * جمع حنجرة أو حنجور كحلقوم لفظا ومعنى؛ وهي كما قال الراغب: رأس الغلصمة من خارج وهي لحمة بين الرأس والعنق، والكلام كناية عن شدة الخوف أو فرط التألم، وجوز أن يكون على حقيقته وتبلغ قلوب الكفار حناجرهم يوم القيامة ولا يموتون كما لو كان ذلك في الدنيا.
* (كاظمين) * حال من أصحاب القلوب على المعنى فإن ذكر القلوب يدل على ذكر أصحابها فهو من باب * (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا) * (الحجر: 47) فكأنه قيل: إذ قلوبهم لدى الحناجر كاظمين عليها، وهو من كظم القربة إذا ملأها وسد فاها، فالمعنى ممسكين أنفسهم على قلوبهم لئلا تخرج مع النفس فإن كاظم القربة كاظم على الماء ممسكها علية لئلا يخرج امتلاء. وفيه مبالغة عظيمة، وجوز كونه حالا من ضمير * (القلوب) * المستتر في الخبر أعني * (لدى الحناجر) * وعلى رأي من يجوز مجىء الحال من المبتدأ كونه حالا من * (القلوب) * نفسها.
وجمع جمع العقلاء لتنزيلها منزلتهم لوصفها بصفتهم كما في قوله تعالى: * (فظلت أعناقهم لها خاضعين) * (الشعراء: 4) والمعنى حال كون القلوب كاظمة على الغم والكرب، ومنه يعلم أنه لا يجوز أن يكون * (لدى الحناجر) * ظرف * (كاظمين) *
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»