المصدر المحذوف لا يتقاعد عن الفصل بالخبر وليس أجنبيا من كل وجه؛ وتقدير الفعل أي مقتكم الله إذ تدعون أبعد وأبعد، وقيل: هي ظرف لمقت الثاني. واعترض بأنهم لم يمقتوا أنفسهم وقت الدعوة بل في القيامة.
وأجيب بأن الكلام على هذا الوجه من قبيل قول الأمير كرم الله تعالى وجهه: إنما أكلت يوم أكل الثور الأحمر وقو لعمرو بن عدس التميمي لمطلقته دختنوس بنت لقيط وقد سألته لبنا وكانت مقفرة من الزاد: الصيف ضيعت اللبن وذلك بأن يكون مجازا بتنزيل وقوع السبب وهو كفرهم وقت الدعوة منزلة وقوع المسبب وهو مقتهم لأنفسهم حين معاينتهم ما حل بهم بسببه، وقيل: إن المراد عليه إذ تبين أنكم دعيتم إلى الايمان المنجي والحق الحقيق بالقبول فأبيتم أو أن المراد بأنفسهم جنسهم من المؤمنين فإنهم كانوا يمقتون المؤمنين في الدنيا إذ يدعون إلى الايمان وهو أبعد التأويلات؛ وقال لمكي: * (إذ) * معمولة لا ذكروا مضمرا والمراد التحير والتنديم واستحسنه بعضهم وأراه خلاف المتبادر. وادعى " صاحب الكشف " أن فيه تنافرا بينا وعلله بما لم يظهر لي وجهه فتأمل.
وتفسير * (مقتكم أنفسكم) * بمقت كل واحد نفسه هو الظاهر، وجوز أن يراد به مقت بعضهم بعضا فقيل: إن الاتباع يمقتون الرؤساء لما ورطوهم فيه من الكفر والرؤساء يمقتون الاتباع لما أنهم اتبعوهم فحملوا أوزارا مثل أوزارهم فلا تغفل.
* (قالوا ربنآ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) *.
* (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) * صفتان لمصدري الفعلين، والتقدير امتنا امتاتتين اثنتين وأحييتنا إحياءتين اثنتين.
وجوز كون المصدرين موتتين وحياتين وهما إما مصدران للفعلين المذكورين أيضا بحذف الزوائد أو مصدارن لفعلين آخرين يدل عليهما المذكوران فإن الإماتة والإحياء ينبئان عن الموت والحياة حتما فكأنه أمتنا فمتنا موتتين اثنتين على طرز قوله: وعض زمان يا ابن مروان لم يدع * من المال إلا مسحت أو مجلف أي لم يدع فلم يبق إلا مسحت الخ، واختلف في المراد بذلك فقيل: أرادوا بالاماتة الأولى خلقهم أمواتا وبالثانية إماتتهم عند انقضاء آجالهم وبالإحياءة الأولى إحياءتهم بنفخ الروح فيهم وهم في الأرحام وبالثانية إحياءتهم بإعادة أرواحهم إلى أبدانهم للبعث. وأخرج هذا ابن جرير. وابن أبي حاتم. وابن مردويه عن ابن عباس وجماعة من الحاكم وصححه عن ابن مسعود، وعبد بن حميد. وابن المنذر عن قتادة، وروى أيضا عن الضحاك وأبي مالك وجعلوا ذلك نظير آية البقرة * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) * (البقرة: 28) والإماتة إن كانت حقيقة في جعل الشيء عادم الحياة سبق بحياة أم لا فالأمر ظاهر وإن كانت حقيقة في تصيير الحياة معدومة بعد أن كانت موجودة كما هو ظاهر كلامهم حيث قالوا: إن صيغة الأفعال وصيغة التفعيل موضوعتان للتصيير أي النقل من حال إلى حال ففي إطلاقها على ما عدا إماته أولى خفاء لاقتضاء ذلك سبق الحياة ولا سبق فيما ذكر، ووجه بأن ذلك من باب المجاز كما قرروه في ضيق فم الركية ووسع أسفلها قالوا: إن الصانع إذا اختار أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع الجائز عن الآخرة فجعل صرفه عنه كنقله منه يعني أنه تجوز بالأفعال أو التفعيل الدال على التصيير وهو النقل من حال إلى حال أخرى عن لازمه وهو الصرف عما في حيز الإمكان، ويتبعه جعل الممكن الذي تجوز إرادته بمنزلة الواقع، وكذا جعل الأمر في ضيق فم الركية مثلا بإنشائه على الحال الثانية بمنزلة أمره بنقله عن غيرها، ولذا جعله بعض الأجلة بمنزلة الاستعارة