قولهم في الضعيف: لحم على وضم وجسد بلا روح فالجسد الملقى على الكرسي هو عليه السلام نفسه.
وروى ذلك عن أبي مسلم وقال في قوله تعالى: * (ثم أناب) * أي رجع إلى الصحة وجعل * (جسدا) * حالا من مفعول * (ألقينا) * المحذوف كأنه قيل ولقد فتنا سلميان أي ابتليناه وأمرضناه وألقيناه على كرسيه ضعيفا كأنه جسد بلا روح ثم رجع إلى صحته، ولا يخفى سقمه، والحق ما ذكر أولا في الحديث المرفوع، وعطف * (أناب) * بثم وكان الظاهر الفاء كما في قوله تعالى: * (واستغفر ربه) * قيل إشارة إلى استمرار إنابته وامتدادها فإن الممتد يعطف بها نظرا لأواخره بخلاف الاستغفار فإنه ينبغي المسارعة إليه ولا امداد في وقته، وقيل: إن العطف بثم هنا لما أنه عليه السلام لم يعلم الداعي إلى الإنابة عقيب وقوعه وهذا بخلاف ما كان في قصة داود عليه السلام فإن العطف هناك على ظن الفتنة واللائق به أن لا يؤخر الاستغفار عنه، وقيل: العطف بها هنا لما إن بين زمان الإنابة وأول زمان ما وقع منه عليه السلام من ترك الاستثناء مدة طويلة وهي مدة الحمل وليس بين زمان استغفار داود عليه السلام وأول زمان ما وقع منه كذلك.
* (قال رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لاحد من بعدىإنك أنت الوهاب) *.
* (قال) * بدل من * (أناب) * وتفسير له على ما في " إرشاد العقل السليم " وهو الظاهر. ويمكن أن يكون استئنافا بيانيا نشأ من حكاية ما تقدم كأنه قيل فهل كان له حال لا يضر معه مسح الخيل سوقها وأعناقها وهل كان بحيث تقتضي الحكمة فتنته؟ فأجيب بما أجيب وحاصله نعم كان له حال لا يضر معه المسح وكان بحيث تقتضي الحكمة فتنته فد دعا بملك عظيم فوهب له، ويمكن أن يقرر الاستئناف على وجه آخر، وكذا يمكن أن يكون استئنافا نحويا لحكاية شيء من أحواله عليه السلام فتأمل * (رب اغفر لي) * ما لم أستحسن صدوره عني.
* (وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) * أي لا يصح لأحد غيري لعظمته فبعد هنا نظير ما في قوله تعالى: * (فمن يهديه من بعد الله) * (الجاثية: 23) أي غير الله تعالى، وهم أعم من أن يكون الغير في عصره، والمراد وصف الملك بالعظمة على سبيل الكناية كقولك لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال وربما كان في الناس أمثاله تريد أن له من ذلك شيئا عظيما لا أن لا يعطي أحد مثله ليكون منافسة، وما أخرج عبد بن حميد. والبخاري. ومسلم. والنسائي. والحكيم الترمذي في " نوادر الأصول "، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن عفريتا جعل يتفلت على البارحة ليقطع على صلاتي وإن الله تعالى أمكنني منه فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا فتنظوا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان * (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) * فرده الله تعالى خاسئا " لا ينافي ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام أراد كمال رعاية دعوة أخيه سليمان عليه السلام بترك شيء تضمنه ذلك الملك العظيم وإلا فالملك العظيم ليس مجرد ربط عفريت إلى سارية بل هو سائر ما تضمنه قوله تعالى الآتي: * (فسخرنا له الريح) * الخ. وقيل: إن عدم المنافاة لأن الكناية تجامع إرادة الحقيقة كما تجامع إرادة عدمها، ولعله إنما طلب عليه السلام ذلك ليكون علامة على قبول سؤاله المغفرة وجبر قلب عما فاته بترك الاستثناء أو ليتوصل به إلى تكثير طاعته لله عز وجل ونعمة الدنيا الصالحة للعبد الصالح فلا إشكال في طلب الملك في هذا المقام إذا قلنا بما يقتضيه ظاهر النظم الجليل من صدور الطلبين معا.
وقال الزمخشري: كان سليمان عليه السلام ناشئا في بيت الملك والنبوة ووارثا لهما فأراد أن يطلب من ربه عز وجل معجزة فطلب على حسب إلفه ملكا زائدا على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حد الإعجاز ليكون