تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٠٥
من المستكن في الأمر والفاء جزائية و * (هذا عطاؤنا) * مبتدأ وخبر، والإخبار مفيد لما أشرنا إليه من اعتبار الخصوص أي عطاؤنا الخاص بك أو يقال: إن ذكره ليس للإخبار به بل ليترتب عليه ما بعده كقوله: هذه دارهم وأنت مشوق * ما بقاء الدموع في الآماق وجوز أن يكون * (بغير حساب) * حالا من العطاء نحو * (هذا بعلي شيخا) * أي هذا عطاؤنا متلبسا بغير حساب عليه في الآخرة أو هذا عطاؤنا كثيرا جدا لا يعد ولا يحسب لغاية كثرته، وأن يكون صلة العطاء واعتبره بعضهم قيدا له لتتم الفائدة ولا يحتاج لاعتبار ما تقدم، وعلى التقديرين ما في البين اعتراض فلا يضر الفصل به، والفاء اعتراضية وجاء اقتران الاعتراض بها كما جاء بالواو كقوله: واعلم فعلم المرء ينفعه * أن سوف يأتي كل ما قدرا وقيل: الإشارة إلى تسخير الشياطين، والمراد بالمن والإمساك إطلاقهم وإبقاؤهم في الأصفاد، والمن قد يكون بمعنى الإطلاق كما في قوله تعالى: * (فإما منا بعد وإما فداء) * (محمد: 4) والأولى في قوله تعالى: * (بغير حساب) * حينئذ كونه حالا من المستكن في الأمر، وهذا القول رواه ابن جرير. وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وما روي عنه من أنه إشارة إلى ما وهب له عليه السلام من النساء والقدرة على جماعهن لا يكاد يصح إذ لم يجر لذلك ذكر في الآية، وإلى الأول ذهب الجمهور وهو اوظهر، وقرأ ابن مسعود * (هذا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب) *.
* (وإن له عندنا لزلفى وحسن م‍ااب) *.
* (وإن له عندنا لزلفى) * لقربة وكرامة مع ماله من الملك العظيم فهو إشارة إلى أن ملكه لا يضره ولا ينقصه شيئا من مقامه.
* (وحسن مآب) * حسن مرجع في الجنة وهو عطف على * (زلفى) * وقرأ الحسن. وابن أبي عبلة * (وحسن) * بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي له، والوقف عندهما على * (لزلفى) * هذا وأمر سليمان عليه السلام من أعظم الأمور وكان مع ما آتاه الله تعالى من الملك العظيم يعمل الخوص بيده ويأكل خبز الشعير ويطعم بني إسرائيل الحواري أخرجه أحمد في الزهد عن عطاء، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رفع سليمان عليه السلام طرفه إلى السماء تخشعا " حيث أعطاه الله تعالى ما أعطاه وكان في عصره من ملوك الفرس كيخسرو فقد ذكر الفقيه أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري في تاريخه أنه عليه السلام ورث ملك أبيه في عصر كيخسرو بن سباوش وسار من الشام إلى العراق فبلغ خبره كيخسرو فهرب إلى خراسان فلم يلبث حتى هلك ثم سار سليمان إلى مرو ثم إلى بلاد الترك فوغل فيها ثم جاوز بلاد الصين ثم عطف إلى أن وافى بلاد فارس فنزلها أياما ثم عاد إلى الشام ثم أمر ببناء بيت المقدس فلما فرغ سار إلى تهامة ثم إلى صنعاء وكان من حديثه مع صاحبتها ما ذكره الله تعالى وغزا بلاد المغرب الأندلس وطنجة وغيرهما ثم انطوى البساط وضرب له بين عساكر الموتى الفسطاط فسبحان الملك الدائم الذي لا يزول ملكه ولا ينقضي سلطانه.
* (واذكر عبدنآ أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيط‍ان بنصب وعذاب) *.
* (واذكر عبدنا أيوب) * قال ابن إسحاق: الصحيح أنه كان من بني إسرائيل ولم يصح في نسبه شيء غير أن اسم أبيه أموص، وقال ابن جرير: هو أيوب بن أموص بن روم بن عيص بن إسحاق عليه السلام، وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط وأن أباه ممن آمن بإبراهيم فعلى هذا كان عليه السلام قبل موسى، وقال ابن جرير: كان بعد شعيب، وقال ابن أبي خيثمة: كان بعد سليمان، وقوله تعالى: * (اذكر) * الخ عطف على * (اذكر عبدنا داود) * وعدم تصدير قصة سليمان عليه السلام بهذا العنوان لكمال الاتصال بينه وبين داود عليهما السلام، و * (أيوب) * عطف بيان لعبدنا أو بدل منه بدل كل من كل، وقوله تعالى: * (إذ نادى ربه) * بدل اشتمال منه أو من * (أيوب) * * (أني) * أي بأني.
وقرأ عيسى بكسر همزة * (إني) * * (مسني الشيطان) * وقرىء بإسكان ياء * (مسني) * وبإسقاطها * (بنصب) * بضم النون وسكون الصاد التعب كالنصب بفتحتين، وقيل: هو جمع نصب كوثن ووثن، وقرأ أبو جعفر. وشيبة. وأبو عمارة عن حفص. والجعفي عن أبي بكر. وأبو معاذ عن نافع بضمتين وهي لغة، ولا مانع من كون الضمة الثانية عارضة للاتباع، وربما يقال: إن في ذلك رمزا إلى ثقل تعبه وشدته، وقرأ زيد بن علي. والحسن. والسدي. وابن أبي عبلة. ويعقوب. والجحدري بفتحتين وهي لغة أيضا كالرشد والرشد، وقرأ أبو حيوة. ويعقوب في رواية وهبيرة عن حفص بفتح النون وسكون الصاد، قال الزمخشري: على أصل المصدر، ونص ابن عطية على أن ذلك لغة أيضا قال: بعد ذكر القراآت: وذلك كله بمعنى واحد وهو المشقة وكثيرا ما يستعمل النصب في مشقة الاعياء.
وفرق بعض الناس بين هذه الألفاظ والصواب أنها لغات بمعنى من قولهم أنصبني الأمر إذا شق علي انتهى.
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»