تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢١١
ذكرى الدار، وأيا ما كان فذكرى مصدر مضاف لمفعوله وتعريف الدار للعهد أي الدار الأخرة، وفيه إشعار بأنها الدار في الحقيقة وإنما الدنيا مجاز أي جعلناهم خالصين لنا بسبب خصلة خالصة جليلة الشأن لا شوب فيها هي نذكرهم دائما الدار الآخرة فإن خلوصهم في الطاعة بسبب تذكرهم إياها وذلك لأن مطمح انظارهم ومطرح أفكارهم في كل ما يأتون ويدرون جواز الله عز وجل والفوز بلقائه ولا يتسنى ذلك إلا في الآخرة.
وقيل أخلصناهم بتوفيقهم لها واللطف بهم في اختيارها والباء كما في الوجه الأول للسببية والكلام نحو قولك: أكرمته بالعلم أي بسبب أنه عالم أكرمته أو أكرمته بسبب أنك جعلته عالما، وقد يتخيل في الثاني أنه صلة، ويعضد الوجه الأول قراءة الأعمش. وطلحة * (بخالصتهم) *.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك أن ذكرى الدار تذكيرهم الناس الآخرة وترغيبهم إياهم فيها وتزهيدهم إياهم فيها على وجه خالص من الحظوظ النفسانية كما هو شأن الأنبياء عليهم السلام، وقيل المراد بالدار الدار الدنيا وبذكراها الثناء الجميل ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم. وحكى ذلك عن الجبائي. وأبي مسلم وذكره ابن عطية احتمالا، وحاصل الآية عليه كما قال الطبرسي إنا خصصناهم بالذكر الجميل في الأعقاب.
وقرأ أبو جعفر. وشيبة. والأعرج. ونافع. وهشام بإضافة * (خالصة) * إلى * (ذكرى) * للبيان أي بما خلص من ذكرى الدار على معنى أنهم لا يشوبون ذكراها بهم آخر أصلا أو على غير ذلك من المعاني، وجوز على هذه القراءة أن تكون * (خالصة) * مصدرا كالعاقبة والكاذبة مضافا إلى الفاعل أي أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار. وظاهر كلام أبي حيان أن احتمال المصدرية ممكن في القراءة الأولى أيضا لكنه قال: الأظهر أن تكون اسم فاعل.
* (وإنهم عندنا لمن المصطفين الاخيار) *.
* (وإنهم عندنا لمن المصطفين) * أي المختارين من بين أبناء جنسهم، وفيه إعلال معروف.
وعندنا يجوز فيه أن يكون من صلة الخبر وإن يكون من صلة محذوف دل عليه * (لمن المصطفين) * أي وإنهم مصطفون عندنا، ولم يجوزوا أن يكون من صلة * (المصطفين) * المذكور لأن أل فيه موصولة ومصطفين صلة وما في حيز الصلة لا يتقدم معمولة على الموصول لئلا يلزم تقدم الصلة على الموصول. واعترض بأنا لا نسلم أن أل فيه موصولة إذ لم يرد منه الحدوث ولو سلم فالمتقدم ظرف وهو يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره، والظاهر أن الجملة عطف على ما قبلها، وتأكيدها لمزيد الاعتناء بكونهم عنده تعالى من المصطفين من الناس. * (الأخيار) * الفاضلين أن لا يجمع على أفعال لكنه للزوم تخفيفه حتى أنه لا يقال أخير إلا شذوذا أو في ضرورة جعل كأنه بنية أصلية؛ وقيل جمع خير المشدد أو خير المخف منه كأموات في جمع ميت بالتشديد أو ميت بالتخفيف.
* (واذكر إسم‍اعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار) *.
* (واذكر إسماعيل) * فصل ذكره عن ذكر أبيه وأخيه اعتنار بشأنه من حيث أنه لا يشرك العرب فيه غيرهم أو للأشعار بعراقته في الصبر الذي هو المقصود بالذكر * (واليسع) * قال ابن جرير هو ابن أخطوب بن العجوز، وذكر أنه استخلفه إلياس على بني إسرائيل ثم استنبىء، واللام فيه زائدة لازمة لمقارنتها للوضع، ولا ينافي كونه غير عربي فإنها قد لزمت في بعض الأعلام الأعجمية كالاسكندر فقد لحن التبريزي من قال اسكندر مجردا له منها، والأولى عندي أنه إذا كان اسما أجميا وأل فيه مقار نة للوضع أن لا يقال بزيادتها فيه، وقيل هو اسم عربي منقول من يسع مضارع وسع حكاه الجلال السيوطي في الاتقان. وفي القاموس يسع كيضع اسم أعجمي أدخل عليه أل ولا تدخل على نظائره كيزيد.
وقرأ حمزة. والكسائي * (والليسع) * بلامين والتشديد كان أصله ليس بوزن فيعل من اللسع دخل عليه أل تشبيها بالمنقول الذي تدخله للمح أصله، وجزم بعضهم بأنه على هذه القراءة أيضا علم أعجمي دخل عليه اللام.
* (وذا الكفل) * قيل هو ابن أيوب، وعن وهب أن الله تعالى بعث بعد أيوب شرف بن أيوب نبيا وسماه الكفل وأمره بالدعاء إلى توحيده وكان مقيما بالشام عمره حتى مات وعمره خمس وسبعون سنة. وفي العجائب للكرماني قيل هو الياس، وقيل هو يوشع بن نون، وقيل هو نبي اسمه ذو الكفل، وقيل كان رجلا صالحا تكفل بأمور فوفي بها، وقيل هو زكريا من قوله تعالى: * (وكفلها زكريا) * (آل عمران: 37) اه‍، وقال ابن عساكر: هو نبي تكفل الله تعالى له في عمله بضعف عمل غيره من الأنبياء، وقيل لم يكن نبيا وان البسع استخلفه فتكفل له أن يصوم النهار ويقوم الليل، وقيل أن يصلي كل يوم مائة ركعة، وقيل: كان رجلا من الصالحين كان في زمانه أربعمائة نبي من بني إسرائيل فقتلهم ملك جبار إلا مائة منهم فروا من القتل فآواهم وأخفاهم وقام بمونتهم فسماه الله تعالى ذا الكفل، وقيل هو اليسع وأن له اسمين ويأباه ظاهر النظم * (وكل) * أي ولكهم * (من الأخيار) *
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»