تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٥٢
شركاء في استحقاق العبادة أو التصرف لما عذبهم سبحانه فضمير * (إنهم) * للجنة على ما عدا الوجه الأخير من الأجه السابقة وإما عليه فهو للكفرة أي والله لقد علمت الملائكة الذين جعلوا بينه تعالى وبينهم نسبا وقالوا هم بناته أن الكفرة لمحضرون النار معذبون بها لكذبهم وافترائهم في قولهم ذلك، والمراد به المبالغة في التكذيب ببيان أن الذين يدعى لهم هؤلاء تلك النسبة ويعلمون أنهم أعلم منهم بحقيقة الحال يكذبونهم في ذلك ويحكمون بأنهم معذبون لأجله حكما مؤكدا، ويجوز على الأجه الأول عود الضمير على الكفرة أيضا والمعنى على نحو ما ذكر، وعلم الملائكة أن الكفرة معذبون ظاهر، وعلم الشياطين بأنهم أنفسهم وكذا سائر الكفرة معذبون لما أن الله عز وجل توعد إبليس عليه اللعنة بما يدل على ذلك. [بم وقوله سبحانه:
* (سبح‍ان الله عما يصفون) *.
* (سبحان الله عما يصفون) * على جميع الأوجه السابقة تنزيه من جهته تعالى لنفسه عن الوصف الذي لا يليق به [بم وقوله تعالى:
* (إلا عباد الله المخلصين) *.
* (إلا عباد الله المخلصين) * استثناء منقطع من المحضرين وما بينهما اعتراض أي ولكن المخلصون ناجون، وجوز كونه استثناء متصلا منه ويفسر ضمير * (أنهم) * بما يعم وهو خلاف الظاهر وجوز كونه استثناء منقطعا من ضمير * (يصفون) * وكونه استثناء متصلا منه وهو خلاف الظاهر أيضا.
وجوز كونه استثناء من ضمير * (جعلوا) * على الانقطاع لا غير وما في البين اعتراض، واختار الواحدي الوجه الأول. قال الطيبي: ويحسن كل الحسن إذا فسر الجنة بالشياطين أي وضمير * (أنهم) * بالكفرة ليرجع معناه إلى قوله تعالى حكاية عن اللعين: * (لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين) * (ص: 82، 83) أي أنهم لمحضرون النار ومعذبون حيث أطاعونا في إغوائنا إياهم لكن الذين أخلصوا الطاعة لله تعالى وطهروا قلوبهم من أرجاس الشرك وأنجاس الكفر والرذائل ما عمل فيهم كيدنا فلا يحضرون ويكون ذلك مدحا للمخلصين وتعريضا بالمشركين وإرغاما لأنوفهم ومزيدا لغيظهم أي أنهم بخلاف ما هم عليه من سفه الأحلام وجهل النفوس وركاكة العقول اه‍. وفي بيان المعنى نوع قصور [بم وقوله تعالى:
* (فإنكم وما تعبدون * مآ أنتم عليه بف‍اتنين * إلا من هو صال الجحيم) *.
* (فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم) * عود إلى خطابهم، والفاء في جواب شرط مقدر أي إذا علمتم هذا أو إذا كان المخلصون ناجين * (فإنكم) * الخ، والواو للعطف * (وما تعبدون) * معطوف على الضمير في * (إنكم) * وضمير * (عليه) * لله عز وجل والجار متعلق بفاتنين وعدي بعلى لتضمنه معنى الاستيلاء وهو استعارة من قولهم فتن غلامه أو امرأته عليه إذا أفسده والباء زائدة وهو خبر ما، والجملة خبر إن والاستثناء مفرغ من مفعول فاتنين المقدر و * (أنتم) * خطاب للكفرة ومعبوديهم على سبيل التغليب نحو أنت وزيد تخرجان أي ما أنتم ومعبودوكم مفسدين أحدا على الله عز وجل بإغوائكم إلا من سبق في علم الله تعالى أنه من أهل النار يصلاها ويدخلها لا محالة.
وجوز كون الواو هنا مثلها في قولهم كل رجل وضيعته فجملة * (ما أنتم عليه) * الخ مستقلة ليست خبرا لإن وضمير * (عليه) * لما بتقدير مضاف وهو متعلق بفاتنين أيضا بتضمينه معنى البعث أو الحمل ولا تغليب في الخطاب كأنه قيل: إنكم وآلهتكم قرناء لا تبرحون تعبدونها ثم قيل ما أنتم على عبادة ما تعبدون بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال أحدا إلا من سبق في علمه تعالى أنه من أهل النار، وظاهر صنيع بعضهم أن أمر
(١٥٢)
مفاتيح البحث: البعث، الإنبعاث (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»