تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٥٠
والرد على مثبتي الولد ظاهرة، وقد اتحد في الجملتين السائل والمسؤول والأمر؛ وجوز بعضهم كون ضمير * (استفتهم) * للمذكورين من الرسل عليهم السلام والبواقي لقريش، والمراد الاستفتاء ممن يعلم أخبارهم ممن يوثق بهم ومن كتبهم وصحفهم أي ما منهم أحد إلا وينزه الله تعالى عن أمثال ذلك حتى يونس عليه السلام في بطن الحوت، ولعمري أن الرجل قد بلغ الغاية من التكلف من غير احتياج إليه، ولعله لو استغنى عن ارتكاب التجوز بالتزام كون الاستفتاء من المرسلين المذكورين حيث يجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم اجتماعا روحانيا كما يدعيه لنفسه الشيخ محيي الدين قدس سره مع غير واحد من الأنبياء عليهم السلام ويدعي أن الأمر بالسؤال المستدعي للاجتماع أيضا في قوله تعالى: * (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) * (الزخرف: 45) على هذا النمط لكان الأمر أهون وإن كان ذلك منزعا صوفيا.
وأضيف الرب إلى ضميره عليه الصلاة والسلام دون ضميرهم تشريفا لنبيه صلى الله عليه وسلم وإشارة إلى أنهم في قولهم بالبنات له عز وجل كالنافين لربوبيته سبحانه لهم [بم وقوله سبحانه:
* (أم خلقنا المل‍ائكة إن‍اثا وهم ش‍اهدون) *.
* (أم خلقنا الملائكة إناثا) * إضراب وانتقال من التبكيت بالاستفتاء السابق إلى التبكيت بهذا أي بل أخلقنا الملائكة الذين هم من أشرف الخلائق وأقواهم وأعظمهم تقدسا عن النقائص الطبيعية إناثا والأنوثة من أخس صفات الحيوان.
وقوله تعالى: * (وهم شاهدون) * استهزاء بهم وتجهيل لهم كقوله تعالى: * (أشهدوا خلقهم) * فإن أمثال هذه الأمور لا تعلم إلا بالمشاهدة إذ لا سبيل إلى معرفتها بطريق العقل وانتفاء النقل مما لا ريب فيه فلا بد أن يكون القائل بأنوثتهم شاهدا عند خلقهم، والجملة إما حال من فاعل * (خلقنا) * أي بل أخلقناهم إناثا والحال أنهم حاضرون حينئذ أو عطف على * (خلقنا) * أي بل أهم شاهدون. [بم وقوله تعالى:
* (ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله وإنهم لك‍اذبون) *.
* (ايلا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله) * استئناف من جهته تعالى غير داخل تحت الاستفتاء مسوق لإبطال أصل مذهبهم الفاسد ببيان أن مبناه ليس إلا الإفك الصريح والافتراء القبيح من غير أن يكون لهم دليل أو شبهة * (وإنهم لكاذبون) * فيما يتدينون به مطلقا في هذا القول، وفيه تأكيد لقوله تعالى: * (من إفكهم) * وقرء * (ولد الله) * بالإضافة ورفع ولد على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ليقولون الملائكة ولد الله والولد فعل بمعنى مفعول يقع على المذكر والمؤنث والواحد والجمع ولذا وقع هنا خبرا عن الملائكة المقدر.
* (أصطفى البنات على البنين) *.
* (أصطفى البنات على البنين) * بهمزة مفتوحة هي حرف استفهام حذفت بعدها همزة الوصول والاستفهام للإنكار والمراد إثبات إفكهم وتقرير كذبهم، والإصطفاء أخذ صفوة الشيء لنفسه.
وقرأ نافع في رواية إسمعيل. وابن جماز. وجماعة. وإسماعيل عن أبي جعفر. وشيبة * (اصطفى) * بكسر الهمزة وهي همزة الوصل وتكسر إذا ابتدىء بها وخرجت على حذف أداة الاستفهام لدلالة أم بعد وإن كانت منقطعة غير معادلة لها لكثرة استعمالها معها، وجوز إبقاء الكلام على الإخبار إما على إضمار القول أي لكاذبون في قولهم اصطفى الخ أو يقولون اصطفى الخ على ما قيل: أو على الإبدال من قولهم ولد الله أو الملائكة ولد الله وليس دخيلا بين نسيبين، والأولى التخريج على حذف الأداة وحسم البحث فتأمل.
* (مالكم كيف تحكمون) *.
* (ما لكم كيف تحكمون) * بهذا الحكم الذي تقضي ببطلانه بداهة العقول والالتفات لزيادة التوبيخ.
* (أفلا تذكرون) *.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»