تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٥٧
* (بساحتهم) * وهي العرصة الواسعة عند الدور والمكان الواسع مطلقا وتجمع على سوح قال الشاعر: فكان سيان أن لا يسرحوا نعما * أو يسرحوه بها واغبرت السوح وفي الضمير استعارة مكنية شبه العذاب بجيش يهجم على قوم وهم في ديارهم بغتة فيحل بها والنزول تخييل.
وقرأ ابن مسعود * (نزل) * بالتخفيف والبناء للمجهول وهو لازم فالجار والمجرور نائب الفاعل، وقرىء نزل بالتشديد والبناء للمجهول أيضا وهو متعد فنائب الفاعل ضمير العذاب * (فساء صباح المنذرين) * أي فبئس صباح المنذرين صباحهم على أن ساء بمعنى بئس وبها قرأ عبد الله والمخصوص بالذم محذوف واللام في المنذرين للجنس لا للعهد لاشتراطهم الشيوع فيما بعد فعلي الذم والمدح ليكون التفسير بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال ولو كان ساء بمعنى قبح على أصله جاز اعتبار العهد من غير تقدير، والصباح مستعار لوقت نزول العذاب أي وقت كان من صباح الجيش المبيت للعدو وهو السائر إليه ليلا ليهجم عليه وهو في غفلته صباحا، وكثيرا ما يسمون الغارة صباحا لما أنها في الأعم الأغلب تقع فيه، وهو مجاز مرسل أطلق فيه الزمان وأريد ما وقع فيه كما يقال أيام العرب لوقائعهم.
وجوز حمل الصباح هنا على ذلك، وفي " الكشاف " مثل العذاب النازل بهم بعد ما أنذروه فأنكروه بجيش أنذر بهجومه قوما بعض نصاحهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره ولا أخذوا اهبتهم ولا دبروا أمرهم تدبيرا ينجيهم حتى أناخ بفنائهم بغتة فشن عليهم الغارة وقطع دابرهم، وكانت عادة مغاويرهم أصباحا فسميت الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر؛ وما فصحت هذه الآية ولا كانت لها الروعة التي يحس بها ويروقك موردها على نفسك وطبعك إلا لمجيئها على طريقة التمثيل انتهى، وظاهره أن الكلام على الاستعارة التمثيلية وفضلها على غيرها أشهر من أن يذكر وأجل من أن ينكر، وقيل: ضمير نزل للنبي صلى الله عليه وسلم ويراد حينئذ نزوله يوم الفتح لا يوم بدر لأنه ليس بساحتهم إلا على تأويل ولا بخيبر لقوله صلى الله عليه وسلم حين صبيحها: الله أكبر خربت خيبر أنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين لأن تلاوته عليه الصلاة والسلام ثمت لاستشهاده بها والكلام هنا مع المشركين، ولا يخفى بعد رجوع الضمير إليه عليه الصلاة والسلام.
* (وتول عنهم حتى حين * وأبصر فسوف يبصرون) *.
* (وتول عنهم حتى حين * وأبصر فسوف يبصرون) * تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثر تسلية وتأكيد لوقوع الميعاد غب تأكيد مع ما في إطلاق الفعلين عن المفعول من الإيذان ظاهرا بأن ما يبصره عليه الصلاة والسلام حينئذ من فنون المسار وما يبصرونه من فنون المضار لا يحيط به الوصف والبيان، وجوز أن يراد بما تقدم عذاب الدنيا وبهذا عذاب الآخرة.
* (سبح‍ان ربك رب العزة عما يصفون) *.
* (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) * تنزيه لله تعالى شأنه عن كل ما يصفه المشركون به مما لا يليق بجناب كبريائه وجبروته مما حكى عنهم في السورة الكريمة وما لم يحك من الأمور التي من جملتها ترك إنجاز الموعود على موجب كلمته تعالى السابقة لا سيما في حق الرسول صلى الله عليه وسلم كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية المعربة عن التربية والتكميل والمالكية الكلية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام أولا وإلى العزة ثانيا كأنه قيل: سبحان من هو مربيك ومكملك ومالك العزة والغلبة على الإطلاق عما يصفه المشركون به من الأشياء التي منها ترك نصرتك عليهم كما يدل عليه استعجالهم
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»