تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٥٥
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن الوليد بن عبد الله بن مغيث قال: كانوا لا يصفون في الصلاة حتى نزلت * (وإنا لنحن الصافون) * وأخرج مسلم عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت لنا ترتبها طهورا إذا لم نجد الماء " وأخرج هو أيضا. وأبو داود. والنسائي. وابن ماجه عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم " وهذه الأخبار ونحوها ترجح التفسير الأول.
* (وإنا لنحن المسبحون) *.
* (وإنا لنحن المسبحون) * أي المنزهون الله تعالى عما لا يليق به سبحانه ويدخل فيه ما نسبه إليه تعالى الكفرة، وقيل: أي القائلون سبحان الله.
وأخرج عبد بن حميد. وغيره عن قتادة أنه قال: المسبحون أي المصلون ويقتضيه ما روي عن ابن عباس أن كل تسبيح في القرآن بمعنى الصلاة، والظاهر ما تقدم، ولعل الأول إشارة إلى مزيد أدبهم الظاهر مع ربهم عز وجل والثاني إشارة إلى كمال عرفانهم به سبحانه، وقال ناصر الدين: لعل الأول إشارة إلى درجاتهم في الطاعة وهذا في المعارف، وما في إن واللام وتوسيط الفصل من التأكيد والاختصاص لأنهم المواظبون على ذلك دائما من غير فترة وخواص البشر لا تخلو من الاشتغال بالمعاش، ولعل الكلام لا يخلو عن تعريض بالكفرة، والظاهر أن الآيات الثلاث أعني قوله تعالى: * (وما منا) * إلى هنا نزلت كما نزلت أخواتها.
وعن هبة الله المفسر أنها نزلت لا في الأرض ولا في السماء وعد معها آيتين من آخر سورة البقرة وآية من الزخرف * (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) * (الزخرف: 45) الآية قال ابن العربي: ولعله أراد في الفضاء بين السماء والأرض. وقال الجلال السيوطي: لم أقف على مستند لما ذكره إلا آخر البقرة فيمكن أن يستدل به بما أخرجه مسلم عن ابن مسعود لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى الحديث وفيه فأعطى الصلوات الخمس وأعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك من أمته بالله شيئا المقحمات انتهى فلا تغفل.
* (وإن كانوا ليقولون) *.
* (وإن كانوا ليقولون) * إن هي المخففة واللام هي الفارقة والضمير لكفار قريش كانوا يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
* (لو أن عندنا ذكرا من الاولين) *.
* (لو أن عندنا ذكرا من الأولين) * أي كتابا من جنس الكتب التي نزلت عليهم ومثلها في كونه من عند الله تعالى:
* (لكنا عباد الله المخلصين) *.
* (لكنا عباد الله المخلصين) * لأخلصنا العبادة له تعالى ولكنا أهدى منهم [بم والفاء في قوله تعالى:
* (فكفروا به فسوف يعلمون) *.
* (فكفروا به) * فصيحة مثلها في قوله تعالى: * (أن اضرب بعصاك البحر فانفلق) * (الشعراء: 63) أي فجاءهم ذكر وأي ذكر سيد الاذكار وكتاب مهيمن على سائر الكتب والأخبار فكفروا به * (فسوف يعلمون) * أي عاقبة كفرهم وما يحل بهم من الانتقام، وقيل أريد بالذكر العلم أي لو أن عندنا علما من الذين تقدموا وما فعل الله تعالى بهم بعد أن ماتوا هل أثابهم أم عذبهم لأخلصنا العبادة له تعالى فجاءهم ذلك في القرآن العظيم فكفروا به، ولا يخفى بعده.
* (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) *.
* (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) * استئناف مقرر للوعيد وتصديره بالقسم لغاية الاعتناء بتحقيق مضمونه أي وبالله لقد سبق وعدنا لهمب النصرة والغلبة وهو قوله تعالى:
* (إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغ‍البون) *.
* (إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغ‍البون) * فيكون تفسيرا أو بدلا من * (كلمتنا) * وجوز أن يكون مستأنفا والوعد ما في محل آخر من قوله تعالى: * (لأغلبن أنا ورسلي) * (المجادلة: 21) والأول أظهر، والمراد بالجند اتباع المرسلين وأضافهم
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»