ماذا كم؟ قالوا: لا يا ربنا قال: ذاك عبدي يونس قالوا: الذي كنا لا نزال نرفع له عملا متثبلا ودعوة مجابة؟ قال: نعم قالوا: يا ربنا ألا ترحم ما كان يصنع في الرخاء وتنجيه عند البلاء؟ قال: بلى فأمر عز وجل الحوت فلفظه.
واستظهر أبو حيان أن المراد بقوله سبحانه: * (للبث في بطنه) * الخ لبقي في بطنه حيا إلى يوم البعث وبه أقول. وتعقب بأنه ينافيه ما ورد من أنه لا يبقى عند النفخة الأولى ذو روح من البشر والحيوان في البر والبحر. وأجيب بعد تسليم ورود ذلك أو ما يدل عليه بأنه مبالغة في طول المدة مع أنه في حيز لو فلا يرد رأسا أو المراد بوقت البعث ما يشتمل زمان النفخة لأنه من مقدماته فكأنه منه، وعن قتادة لكان بطن الحوت قبرا له، وظاهره أنه أريد للبث ميتا في بطنه إلى يوم البعث، ولا مانع من بقاء بنية الحوت كبنيته من غير تسلط البلاء إلى ذلك اليوم، وضمير * (يبعثون) * لغير مذكور وهو ظاهر.
* (فنبذناه بالعرآء وهو سقيم) *.
* (فنبذناه) * بأن حملنا الحوت على لفظه فالإسناد مجازي، والنبذ على ما في " القاموس " طرحك الشيء أماما أو وراء أو هو عام.
وقال الراغب: النبذ إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به، والمراد به هنا الطرح والرمي والقيد الذي ذكره الراغب لا أرغب فيه فإنه عليه السلام وإن أبق وخرج من غير إذن مولاه واعتراه من تأديبه تعالى ما اعتراه فالرب عز وجل بأنبيائه رحيم وله سبحانه في كل شأن اعتداد بهم عظيم فهو عليه السلام معتد به في حال الإلقاء وإن كان ذلك * (بالعراء) * أي بالمكان الخالي عما يغطيه من شجر أو نبت، يروى أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس ويونس يسبح حتى انتهوا إلى البر فلفظه. ورد بأنه يأباه قوله تعالى * (فنادى في الظلمات) * (الأنبياء: 87) وأجيب بأنه بمجرد رفع رأسه للتنفس لا يخرج منها، ثم إن هذا لئلا يختنق يونس أو تنحصر نفسه بحكم العادة لا ليمتنع دخول الماء جوف الحوت حتى يقال السمك لا يحتاج لذلك، ومع هذا نحن لا نجزم بصحة الخبر فقد روى أيضا أنه طاف به البحار كلها ثم نبذه على شط دجلة قريب نينوى بكسر النون الأولى وضم الثانية كما في " الكشف " من أرض الموصل، والالتقام كان في دجلة أيضا على ما صرح به البعض وخالف فيه أهل الكتاب، وسيأتي إن شاء الله تعالى نقل كلامهم لك في هذه القصة لتقف على ما فيه.
والظاهر أن الحوت من حيتان دجلة أيضا وقد شاهدنا فيها حيتانا عظيمة جدا، وقيل كان من حيتان النيل. أخرج ابن أبي شيبة عن وهب أنه جلس هو وطاوس ونحوهما من أهل ذلك الزمان فذكروا أي أمر الله تعالى أسرع؟ فقال بعضهم: قول الله تعالى * (كلمح البصر) * (النحل: 77) وقال بعضهم: السرير حين أتى به سليمان، وقال وهب: أسرع أمر الله تعالى أن يونس على حافة السفينة إذ أوحى الله سبحانه إلى نون في نيل مصر فما خر من حافتها إلا في جوفه، ولا شبهة في ان قدرة الله عز وجل أعظم من ذلك لكن الشبهة في صحة الخبر وكأني بك تقول لا شبهة في عدم صحته. واختلف في مدة لبثه فأخرج عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد ". وغيره عن الشعبي. قال: التقمه الحوت ضحى ولفظه عشية وكأنه أراد حين أظلم الليل، وأخرج عبد بن حميد. وغيره عن قتادة قال: إنه لبث في جوفه ثلاثا، وفي كتب أهل الكتاب ثلاثة أيام وثلاث ليال، وعن عطاء وابن جبير سبعة أيام، وعن الضحاك عشرين يوما، وعن ابن عباس. وابن جرير. وأبي مالك. والسدي. ومقاتل بن سليمان. والكلبي. وعكرمة أربعين يوما، وفي " البحر " ما يدل على أنه لم يصح خبر في مدة لبثه عليه