تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٠٦
بل عمر البشر لا تفي به. وزعم بعضهم لذلك أن مجموع الاتصالات ونسب الكواكب بعضها إلى بعض غير شرط في التأثير لتتوقف التجربة على تكراره بل يكفي بعض الاتصالات وقد يكفي واحد منها وذلك يتكرر في أزمنة قليلة فتتأتى التجربة، مثلا رداءة السفر وقد نزل القمر برج العقرب يستند إلى هذا النزول بالتجربة فإنا وجدنا تكرر ذلك وترتب الرداءة عليه كل مرة وهذا هو التجربة وكذا يقال في نظائره. وأنت تعلم أن التجارب التي دلت على كذب ما يقولون بوقوع خلافه أضعاف التجارب التي دلت على صدقه، فقد أجمع حذاقهم سنة سبع وثلاثين عام خروج علي كرم الله تعالى وجهه إلى صفين على أنه يقتل ويقهر جيشه فانتصر على أهل الشام ولم يقدروا على التخلص إلا بالحيلة، وإن لم يسلم هذا الإجماع فإجماعهم على مثله في خروجه كرم الله تعالى وجهه لحرب الخوارج حيث كان القمر في العقرب وقوله رضي الله تعالى عنه: نخرج ثقة بالله تعالى وتوكلا عليه سبحانه وتكذيبا لقول المنجم، ونصرته الخارجة عن القياس مما شاع وذاع ولو قيل بتواتره لم يبعد، وأجمعوا سنة ست وستين على غلبة عبيد الله بن زياد وقد سار بنحو من ثمانين ألف مقاتل على المختار بن أبي عبيد فلقيه إبراهيم بن الأشتر صاحب المختار بأرض نصيبين فيما دون سبعة آلاف مقاتل فقتل من عسكره نحوا من ثلاثة وسبعين ألفا وضربه وهو لا يعرفه فقتله ولم يقتل من أصحابه أكثر من مائة.
وأجمعوا يوم أسست بغداد سنة ست وأربعين ومائة على أن طالعها يقضي بأنه لا يموت فيها خليفة وشاع ذلك حتى قال بعض شعراء المنصور مهنئا له: يهنيك منها بلدة تقضي لنا * أن الممات بها عليك حرام لما قضت أحكام طالع وقتها * أن لا يرى فيها يموت امام فأول ما ظهر كذب ذلك بقتل الأمين بشارع باب الأنبار فقال بعض الشعراء: كذب المنجم في مقالته التي * كان أدعاها في بنا بغدان قتل الأمين بها لعمري يقتضي * تكذيبهم في سائر الحسبان ثم مات فيها جماعة من الخلفاء كالواثق. والمتوكل. والمعتضد. والناصر. وغيرهم إلى أمور أخر لا تكاد تحصى أجمعوا فيها على حكم وتبين كذبهم فيه، على أنه قد يقال لهم: المؤثر في السعود والنحوس ونحوهما هل هو الكوكب وحده أو البرج وحده أو الكوكب بشرط حصوله في البرج؟ فإن قالوا بأحد الأمرين الأولين لزمهم دوام الأثر لدوام المؤثر، وإن قالوا بالثالث لزمهم القول باختلاف البروج في الطبيعة وإلا لاتحدت آثار الكوكب فيها وكلهم مجموعون على أن الفلك بسيط لا تركيب فيه، والتزام التركيب من طبائع مختلفة ينافي قولهم بامتناع الانحلال. وزعم بعضهم أنها تفعل ما تفعل بالاختيار يستدعي إلغاء أمر الاتصال والانفصال والمقارنة والهبوط ونحو ذلك؛ وكون ما ذكر شرطا للاختيار لا يخفى حاله، والقول بأنها تستدعي من حيث طبيعة أشعتها التسخين مثلا يقتضي حرارة وحدة في المزاج يفعل بها شخص غاية الخير والأفعال الحميدة وآخر غاية الشر والأفعال الخبيثة فلا بد لهذا الاختلاف من موجب غير التسخين، وأيضا هم يقولون: جميع الحوادث الكونية مستند إلى الكواكب وحديث التسخين والتبريد واستلزامهما اختلاف أفعال النفس لا يتم به
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»