تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٠٢
كذلك فإنه قد يجب والإمام لضيق محرابه ومجاله ينكر الحديث الوارد في ذلك وهو في الصحيحين ويقول: إسناد الكذب إلى راويه أهون من إسناده إلى الخليل عليه السلام، وقد مر الكلام في ذلك، وقيل: كانت له عليه السلام حمى لها نوبة معينة في بعض ساعات الليل فنظر ليعرف هل هي تلك الساعة فإذ هي قد حضرت فقال لهم إني سقيم، وليس شيء من ذلك من المعاريض، ونحوه ما أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: أرسل إليه عليه السلام ملكهم فقال: إن غدا عيدنا فاخرج معنا فنظر إلى نجم فقال إن ذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقم لي.
وأنت تعلم أن النظر المعدي بفي بمعنى التأمل والتفكر والنظر المشار إليه لا يحتاج إلى تفكر، وعن أبي مسلم أن المعنى نظر وتفكر في النجوم ليستدل بأحوالها على حدوثها وأنها لا تصلح أن تكون آلهة فقال إني سقيم أي سقيم النظر حيث لم يحصل له كمال اليقين انتهى، وهذا لعمري يسلب فيما أرى عن أبي مسلم الإسلام وفيه من الجهل بمقام الأنبياء لا سيما الخليل عليه وعليهم السلام ما يدل على سقم نظره نعوذ بالله تعالى من خذلانه ومكره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أن * (نظر نظرة في النجوم) * كلمة من كلام العرب تقول إذا تفكر الشخص: نظر في النجوم وعليه فليس هو من المعاريض بل قوله: * (إني سقيم) * فقط منها وهذا إن أيده نقل من أهل اللغة حسن جدا، وقيل: المعنى نظر في أحوال النجوم أو في علمها أو في كتبها وأحكامها ليستدل على ما يحدث له والنظر فيها للاستدلال على بعض الأمور ليس بممنوع شرعا إذا كان باعتقاد أن الله تعالى جعلها علامة عليه والممنوع الاستدلال باعتقاد أنها مؤثرة بنفسها والجزم بكلية أحكامها، وقد ذكر الكرماني في مناسكه على ما قال الخفاجي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أراد السفر في آخر الشهر أتريد أن تخسر صفقتك ويخيب سعيك اصبر حتى يهل الهلال انتهى.
وهذا البحث من أهم المباحث فإنه لم يزل معترك العلماء والفلاسفة الحكماء، وقد وعدنا بتحقيق الحق فيه وبيان كذره وصافيه فنقول وبالله تعالى التوفيق إلى سلوك أقوم طريق.
اعلم أن بعض الناس أنكروا أن يكون للكواكب تأثير في هذا العالم غير وجود الضياء في المواضع التي تطلع عليها الشمس والقمر وعدمه فيما غابا عنه وما جرى هذا المجرى، وهذا خروج عن الإنصاف وسلوك في مسالك الجور والاعتساف، وبعضهم قالوا: إن لها تأثيرا ما يجري على الأمر الطبيعي مثل أن يكون البلد القيل العرض ذا مزاج مائل عن الاعتدال إلى الحر واليبس وكذا مزاج أهله وتكون أجسامهم ضعيفة وألوانهم سود وصفر كالنوبة والحبشة، وأن يكون البلد الكثير العرض ذا مزاج مائل عن الاعتدال إلى البرد والرطوبة وكذا مزاج أهله وتكون أجسامهم عبلة وألوانهم بيض وشعورهم شقر مثل الترك والصقالبة، ومثل نمو النبات واشتداده ونضج ثمره بالشمس والقمر ونحو ذلك مما يدرك بالحس، ولا بأس في نسبته إلى الكوكب على معنى أن الله تعالى أودع فيه قوة مؤثرة فاثر بإذن الله تعالى كما ينسب الإحراق إلى النار والري إلى الماء مثلا على معنى ذلك وهو مذهب السلف على ما قال الشيخ إبراهيم الكوراني في جميع الأسباب والمسببات وصرح به بعض الماتريدية، أو على معنى أن الله تعالى أودع فيه قوة مؤثرة فاثر بإذن الله تعالى كما ينسب الإحراق إلى النار والري إلى الماء مثلا على معنى ذلك وهو مذهب السلف على ما قال الشيخ إبراهيم الكوراني في جميع الأسباب والمسببات وصرح به بعض الماتريدية، أو على معنى أن الله تعالى خلق ذلك عنده وليس فهي قوة مؤثرة مطلقا على ما يقوله الأشاعرة في كل سبب ومسبب فلا فرق بين الماء والنار مثلا عندهم في أنه ليس في كل ثوة يترتب عليها ما يترتب وإنما الفرق في أنه جرت عادة الله تعالى بأن يخلق الإحراق دون الري عند النار دون الماء ويخلق الري دون الإحراق عند الماء دون النار وليس للنار والماء مدخل في الأثر من الإحراق والري سوى أن كلا مقارن لخلق الله تعالى الأثر بلا واسطة.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»