تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٠٣
وظواهر الأدلة مع الأولين ولا ينافي مذهبهم توحيد الأفعال وأنه عز وجل خالق كل شيء كما حقق في موضعه.
وبعضهم زعم أن لها تأثيرا يعرفه المنجم غير ذلك كالسعادة والنحوسة وطول العمر وقصره وسعة العيش وضيقه إلى غير ذلك مما لا يخفى على من راجع كتب أحكام طوالع المواليد وطوالع السنين والكسوف والخسوف والأعمال ونحوها، وهو مما لا ينبغي أن يعول عليه أو يلتفت إليه فليس له دليل عقلي أو نقلي بل الأدلة قائمة على بطلانه متكفلة بهدم أركانه، والقائلون به بعد اتفاقهم على أن الخير والشر والإعطاء والمنع وما أشبه ذلك يكون في العالم بالكواكب على حسب السعود والنحوس وكونها في البروج المنافرة لها أو الموافقة وحسب نظر بعضها إلى بعض بالتسديس والتربيع والتثليث والمقابلة وحسب كونها في شرفها وهبوطها ووبالها ورجعتها واستقامتها وإقامتها اختلفوا في كثير من الأصول وتكلموا بكلام يضحك منه أرباب العقول، وذلك أنهم اختلفوا في أنه على أي وجه يكون ذلك؟ فزعم قوم منهم أن فعلها بطبائعها، وزعم آخرون أن ذلك ليس فعلا لها لكنها تدل عليه بطبائعها، وزعم آخرون أنها تفعل في البعض بالعرض وفي البعض بالذات، وزعم آخرون أنها تفعل بالاختيار لا بالطبع إلا أن السعد منها لا يختار إلا الخير والنحس لا يختار إلا الشر وهذا مع قولهم إنها قد تتفق على الخير وقد تتفق على الشر مما يتعجب منه، وزعم آخرون أنها لا تفعل بالاختيار بل تدل به وهو كلام لا يعقل معناه.
واختلفوا أيضا فقالت فرقة: من الكواكب ما هو سعد ومنها ما هو نحس وهي تسعد غيرها وتنحسه.
وقالت أخرى: هي في أنفسها طبيعة واحدة وإنما تختلف دلالتها على السعود والنحوس، وهذا قول من يقول منهم إن للفلك طبيعة مخالفة لطبيعة الاستقصات الكائنة الفاسدة وأنها لا حارة ولا باردة ولا يابسة ولا رطبة ولا سعد ولا نحس فيها وإنما يدل بعض أجرامها وبعض أجزائها على الخير والبعض على الشر وارتباط الخير والشر والسعد والنحس بها ارتباط المدلولات بادلتها لا ارتباط المعلولات بعللها وهو أعقل من أصحاب القول بالاقتضاء الطبيعي والعلية وإن كان قوله أيضا عند بعض الأجلة ليس بشيء لأن الدلالة الحسية لا تختلف ولا تتناقض.
واختلفوا أيضا فقالت فرقة تفعل في الأبدان والأنفس جميعا وهو قول بطليموس وأتباعه، وقال الأكثرون: تفعل في الأنفس دون الأبدان، ولعل الخلاف لفظي، واختلف رؤساؤهم بطليموس ودوروسوس وانطيقوس وريمس وغيرهم من علماء الروم والهند وبابل في الحدود وغيرها وتضادوا في المواضع التي يأخذون منها دليلهم، ومن ذلك اختلافهم في أمر سهم السعادة فزعم بطليموس أنه يعلم بأن يؤخذ أبدا العدد الذي يحصل من موضع الشمس إلى موضع القمر ويبتدىء من الطالع فيرصد منه مثل ذلك العدد على التوالي فمنتهى العدد موضع السهم، وزعم بعضهم أنه يبتدىء من الطالع فيعد مثل ذلك على خلاف التوالي، وزعم بعض الفرس أن سهم السعادة يؤخذ بالليل من القمر إلى الشمس وبالنهار من الشمس إلى القمر، وزعم أهل مصر في الحدود أنها تؤخذ من أرباب البيوت وزعم الكلدانيون أنها تؤخذ من مدبري المثلثات، واختلفوا أيضا فرتبت طائفة البروج المذكرة والمؤنثة من الطالع فعدوا واحدا مذكرا وآخر مؤنثا وصيروا الابتداء بالمذكر، وقسمت طائفة أخرى البروج أربعة أجزاء وجعلوا المذكرة هي التي من الطالع إلى وسط السماء والتي تقابلها من الغارب إلى وتد الأرض وجعلوا الربعين الباقيين مؤنثين، ومما يضحك العقلاء أنهم جعلوا البروج قسمين حار المزاج وبارده وجعلوا الحار منها ذكرا والبارد أنثى وابتدؤا بالحمل فقالوا: هو ذكر حار والذي بعده مؤنث بارد وهكذا إلى آخرها فصارت ستة ذكورا وستة إناثا.
(١٠٣)
مفاتيح البحث: الهند (1)، بابل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»