تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٩٦
الذين في النار، وفيه أن التشبيه عليه أيضا غير معروف في الخارج عند النزول، وقيل: رؤوس الشياطين شجرة معروفة تكون بناحية اليمن منكرة الصورة يقال لها الاستن وإياها عنى النابغة بقوله: تحيد عن استن سود أسافله * مثل الإماء الغوادي تحمل الحزما قال الأصمعي: ويقال لها الصوم وأنشد: موكل بشدوف الصوم يرقبه * من المغارب مهضوم الحشا زرم وقيل: الشياطين جنس من الحيات ذوات أعراف، وأنشد الفراء: عجيز تحلف حين أحلف * كمثل شيطان الحماط أعرف أي له عرف، وأنشد المبرد: وفي البقل إن لم يدفع الله شره * شياطين يعدو بعضهن على بعض * (فإنهم لاكلون منها فمالئون منها البطون) *.
* (فإنهم لآكلون منها) * تفريع على جعلها فتنة أي محنة وعذابا للظالمين، وضمير المؤنث للشجرة، ومن ابتدائية أو تبعيضية وهناك مضاف مقدر أي من طلعها، وقيل: من تبعيضية والضمير للطلع وأنث لإضافته إلى المؤنث أو لتأويله بالثمرة أو للشجرة على التجوز، ولا يخلو كل عن بعد ما * (فمالئون منها البطون) * لغلبة الجوع وإن كرهوها أو للقسر على أكلها.
* (ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم) *.
* (ثم إن لهم عليها) * أي على الشجرة التي ملؤا منها بطونهم * (لشوبا من حميم) * أي لشرابا مموجا بماء شديد الحرارة وهذا الشراب هو الغساق أي ما يقطر من جراح أهل النار وجلودهم، وقيل: هذا هو الصديد وأما الغساق فعين في النار تسيل إليها سموم الحيات والعقارب أو دموع الكفرة فيها، وشربهم ذلك لغلبة عطشهم بما أكلوا من الشجرة فإذا شربوا تقطعت أمعاؤهم.
وقرىء * (لشوبا) * بضم الشين وهو اسم لما يشاب به، وعلى الأول هو مصدر سمي به، وكلمة ثم قيل للتراخي الزماني وذلك أنه بعد أن يملؤا البطون من تلك الشجرة يعطشون ويؤخر سقيهم زمانا ليزداد عطشهم فيزداد عذابهم.
واعترض بأنه يأباه عطف الشرب بالفاء في قوله تعالى: * (فمالؤن منها البطون فشاربون عليه من الحميم) * فلا بد من عدم توسط زمان. وأجيب بأنه يجوز أن يكون شرب الشراب الممزوج بالحميم متأخرا بزمان عن ملئهم البطون دون شرب الحميم وحده، وكذا يجوز أن يكون الحال مختلفا فتارة يتآخر الشرب مطلقا زمانا وأخرى لا يتأخر كذلك، وقال بعضهم: ملؤهم البطون أمر ممتد فباعتبار ابتدائه يعطف بثم وباعتبار انتهائه بالفاء.
وجوز كون ثم للتراخي الرتبي لأن شرابهم أشنع من مأكولهم بكثير، وعطف ملئهم البطون بالفاء لأنه يعقب ما قبله، ولا يحسن فيه اعتبار التفاوت الرتبي حسنه في شرب الشراب المشوب بالحميم مع الأكل.
* (ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم) *.
* (ثم إن مرجعهم) * أي مصيرهم، وقد قرىء كذلك، وقرىء أيضا * (ثم إن منفذهم) * * (لإلى الجحيم) * أي إلى مقرهم من النار فإن في جهنم مواضع أعد في كل موضع منها نوع من البلاء فالقوم يخرجون من محل قرارهم حيث تأجج النار ويساقون إلى موضع آخر مما دارت عليه جهنم فيه ذلك الشراب ليردوه ويسقوا منه ثم يردون إلى محلهم كما تخرج الدواب إلى مواضع الماء في البلد مثلا لترده ثم ترد إلى محلها، وإلى هذا المعنى أشار قتادة ثم تلا قوله تعالى:
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»