تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٠٠
ومجاهد. وقتادة. والسدي؛ وجملة * (سلام على نوح) * معمول لقول مقدر على ما ذكر الخفاجي أي وقلنا سلام الخ، وقال أبو حيان: مستأنفة سلم الله تعالى عليه عليه السلام ليقتدي بذلك البشر فلا يذكره أحد بسوء، وقرأ عبد الله * (سلاما) * بالنصب على أنه مفعول * (تركنا) * وقوله تعالى: * (في العالمين) * متعلق بالظرف لنيابته عن عامله أو بما تعلق الظرف به. وجوز كونه حالا من الضمير المستتر فيه، وأيا ما كان فهو من تتمة الجملة السابقة وجيء به للدلالة على الاعتناء التام بشأن السلام من حيث أنه أفاد الكلام عليه ثبوته في العالمين من الملائكة والثقلين أو أنه حال كونه في العالمين على نوح. وهذا كما تقول سلام على زيد في جميع الأمكنة وفي جميع الأزمنة. وزعم بعضهم جواز جعله بدلا من قوله تعالى: * (في الآخرين) * ويوشك أن يكون غلطا كما لا يخفى. [بم قوله تعالى:
* (إنا كذلك نجزى المحسنين) *.
* (إنا كذالك نجزي المحسنين) * تعليل لما فعل به مما قصه الله عز وجل بكونه عليه السلام من زمرة المعروفين بالإحسان الراسخين فيه فيكون ما وقع من قبيل مجازاة الإحسان بالإحسان، وإحسانه مجاهدته أعداء الله تعالى بالدعوة إلى دينه والصبر الطويل على أذاهم ونحو ما ذكر وذلك إشارة إلى ما ذكر من الكرامات السنية التي وقعت جزاء له عليه السلام، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الفضل والشرف، والكاف متعلقة بما بعدها أي مثل ذلك الجزاء الكاملين في الإحسان لإجزاء أدنى [بم وقوله تعالى:
* (إنه من عبادنا المؤمنين) *.
* (إنه من عبادنا المؤمنين) * تعليل لكونه عليه السلام محسنا المفهوم من الكلام بخلوص عبودتيه وكمال إيمانه، وفيه من الدلالة على جلالة قدرهما ما لا يخفى وإلا فمنصب الرسالة منصب عظيم والرسول لا ينفك عن الخلوص بالعبودية وكمال الايمان فالمقصود بالصفة مدحها نفسها لا مدح موصوفها.
* (ثم أغرقنا الاخرين) *.
* (ثم أغرقنا الآخرين) * أي المغايرين لنوح عليه السلام وأهله وهم كفار قومه أجمعين، وثم للتراخي الذكري إذ بقاؤه عليه السلام ومن معه متأخر عن الإغراق * (وإن من شيعته) * أي ممن شايع نوحا وتابعه في أصول الدين.
* (وإن من شيعته لإبراهيم) *.
* (لابراهيم) * وإن اختلفت فروع شريعتيهما أو ممن شايعه في التصلب في دين الله تعالى ومصابرة المكذبين ونقل هذا عن ابن عباس، وجوز أن يكون بين شريعتيهما اتفاق كلي أو أكثري وللأكثر حكم الكل، ورأيت في بعض الكتب ولا أدري الآن أي كتاب هو أن نوحا عليه السلام لم يرسل إلا بالتوحيد ونحوه من أصول العقائد ولم يرسل بفروع، قيل: وكان بين إبراهيم وبينه عليهما السلام نبيان هود وصالح لا غير، ولعله أريد بالنبي الرسول لا ما هو أعم منه، وهذا بناء على أن ساما كان نبيا وكان بينهما على ما في " جامع الأصول " ألف سنة ومائة واثنتان وأربعون سنة، وقيل ألفان وستمائة وأربعون سنة.
وذهب الفراء إلى أن ضمير * (شيعته) * لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والظاهر ما أشرنا إليه وهو المروي عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة. والسدي، وقلما يقال للمتقدم هو شيعة للمتأخر، ومنه قول الكميت الأصغر بن زيد: وما لي إلا آل أحمد شيعة * وما لي إلا مشعب الحق مشعب وذكر قصة إبراهيم عليه السلام بعد قصة نوح لأنه كآدم الثالث بالنسبة إلى الأنبياء والمرسلين بعده لأنهم من ذريته إلا لوطا وهو بمنزلة ولده عليهما السلام، ويزيد حسن الإرداف أن نوحا نجاه الله تعالى من الغرق وإبراهيم نجاه الله تعالى من الحرق.
* (إذ جآء ربه بقلب سليم) *.
* (إذ جاء ربه) * منصوب باذكر كما هو المعهود في نظائره، وجوز تعلقه بفعل مقدر يدل عليه قوله تعالى: * (وإن من شيعته) * كأنه قيل: متى شايعه؟ فقيل: شايعه إذ جاء ربه، وقيل: هو متعلق بشيعة لما فيه من معنى المشايعة. ورد بأنه يلزم عمل ما قبل لام الابتداء فيما بعدها وهم لا يجوزون ذلك للصدارة فلا يقال: إن ضاربا لقادم علينا زيدا، وكذا يلزم الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي وهو لا يجوز.
وأجيب بأنه لا مانع من كل إذا كان المعمول ظرفا لتوسعهم فيه * (بقلب سليم) * أي سالم من جميع السلامة من الشرك، والتعميم الذي ذكرناه أولى أو سالم من العلائق الدنيوية بمعنى أنه ليس فيه شيء من محبتها والركون إليها وإلى أهلها، وقيل سليم أي حزين وهو مجاز من السليم بمعنى اللديغ من حية أو عقرب فإن العرب تسميه سليما تفاؤلا بسلامته وصار حقيقة فيه، وما تقدم أنسب بالمقام، والباء قيل للتعدية.
والمراد بمجيئه ربه بقلبه إخلاصه قلبه له تعالى على سبيل الاستعارة التبعية التصريحية، ومبناها تشبيه إخلاصه قلبه له عز وجل بمجيئه إليه تعالى بتحفة في أنه سبب للفوز بالرضا، ويكتفي بامتناع الحقيقة مع كون المقام مقام المدح قرينة، فحاصل معنى التركيب إذ أخلص عليه السلام لله تعالى قلبه السليم من الآفات أو المنقطع عن العلائق أو الحزين المنكسر. وتعقب بأن سلامة القلب عن الآفات لا تكون بدون الإخلاص وكذا الانقطاع عن العلائق لا يكون بدونه. وأجيب بأنهما قد يكونان بدون ذلك كما في القلوب البله. وفي المطلع معنى مجيئه ربه بقلبه أنه أخلص قلبه لله تعالى وعلم سبحانه ذلك منه كما يعلم الغائب وأحواله بمجيئه وحضوره فضرب المجيء مثلا لذلك اه‍، وجعل في الكلام عليه استعارة تمثيلية بأن تشبه الهيئة المنتزعة من إخلاص إبراهيم عليه السلام قلبه لربه تعالى وعلمه سبحانه ذلك الإخلاص منه موجودا بالهيئة المنتزعة من إخلاص إبراهيم عليه السلام قلبه لربه تعالى وعلمه سبحانه ذلك الإخلاص منه موجودا بالهيئة المنتزعة من المجيء بالغائب بمحضر شخص ومعرفته إياه وعلمه بأحواله ثم يستعار ما يستعار، ولتأدية هذا المعنى عدل عن جاء ربه سليم القلب إلى ما في النظم الجليل، وقيل الباء للملابسة ولعله المتبادر، والمراد بمجيئه ربه حلوله في مقام الامتثال ونحوه، وذكر أن نكتة العدول عما سمعت إلى ما في النظم سلامته من توهم أن الحال منتقلة لما أن الانتقال أغلب حاليها مع أنه أظهر في أن سلامة القلب كانت له عليه السلام قبل المجيء أيضا فليتدبر.
* (إذ قال لابيه وقومه ماذا تعبدون) *.
* (إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون) * بدل من إذ الأولى أو ظرف لجاء أو لسليم أي أي شيء تعبودن؟.
* (أءفكا ءالهة دون الله تريدون) *.
* (أئفكا آلهة دون الله تريدون) * أي أتريدون آلهة من دون الله تعالى إفكا أي للإفك فقدم المفعول به على الفعل للعناية لأن إنكاره أو التقرير به هو المقصود وفيه رعاية الفاصلة أيضا ثم المفعول لأجله لأن الأهم مكافحتهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم.
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»