ميرك وهذا الخلاف في حق نبينا صلى الله عليه وسلم وأما غيره من الأنبياء عليهم السلام فلا خلاف في عدم كراهة الإفراد لأحد من العلماء ومن ادعى ذلك فعليه أن يورد نقلا صريحا ولا يجد إليه سبيلا انتهى.
وصرح بعضهم أن الكراهة عند من يقول بها إنما هي في الإفراد لفظا وأما الإفراد خطاكما وقع في " الام " فلا كراهة فيه، وعندي أن الاستدلال بالآية على كراهة الإفراد حسبما سمعت في غاية الضعف إذ قصارى ما تدل عليه أن كلا من الصلاة والتسليم مأمور به مطلقا ولا تدل على الأمر بالاتيان بهما في زمان واحد كأن يأتي بهما مجموعين معطوفا احدهما على الآخر فمن صلى بكرة وسلم عشيا مثلا فقد امتثل الأمر فإنها نظير قوله تعالى: * (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * (البقرة: 43) و * (اذكروا الله ذكرا كثير * وسبحوه) * (الأحزاب: 41، 42) إلى غير ذلك من الأوامر المتعاطفة، نعم درج أكثر السلف على الجمع بينهما فلا أستحسن العدول عنه مع ما في ذكر السلام بعد الصلاة من السلامة من توهم لا يكاد يعرض إلا للإذهان السقيمة كما لا يخفى، وفي دخوله صلى الله عليه وسلم في الخطاب بيا أيها الذين آمنوا هنا خلاف فقال بعضهم بالدخول، وقد صرح بعض أجلة الشافعية بوجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في صلاته وذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي على نفسه خارجها كما هو ظاهر أحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم حين ضلت ناقته وتكلم منافق فيها " إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقوله حين عرض على المسلمين رد ما أخذه من أبي العاص زوج ابنته زينب قبل إسلامه " وإن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتني " الحديث فذكر التصلية والتسليم على نفسه بعد ذكره واحتمال أن ذلك في الحديثين من الراوي بعيد جدا اه.
وتوقف بعضهم في دخوله من حيث أن قرينة سياق * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) * (الأحزاب: 53) إلى هنا ظاهرة في اختصاص هذا الحكم بالمؤمنين دونه صلى الله عليه وسلم، ونظر فيه بأن ما قبل هذه الآية صريح في اختصاصه بالمؤمنين وأما هي فلا قرينة فيها على الاختصاص، وأنت تعلم أن للأصوليين في دخوله صلى الله عليه وسلم في نحو هذه الصيغة أقوالا، عدمه مطلقا وهو شاذ، ودخوله مطلقا وهو الأصح على ما قال جمع، والدخول إلا فيما صدر بأمره بالتبليغ نحو قل يا أيها الذين آمنوا، وأنا أعول على الدخول إلا إذا وجدت قرينة على عدم الدخول سواء كانت الأمر بالتبليغ أولا، وههنا السباق والسياق قرينتان على عدم الدخول فيما يظهر، وعبر بالذين آمنوا دون الناس الشامل للكفار قيل: إشارة إلى أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من أجل الوسائل وأنفعها والكافر لا وسيلة له فلم يؤت بلفظ يشمله، ومخاطبة الكفار بالفروع على القول بها بالنسبة لعقابهم عليها في الآخرة فحسب على أن محل تكليفهم بها حيث أجمع عليها، ومن ثم استثنى من مخاطبتهم بها معاملتهم الفاسدة ونحوها.
ولعل الأولى أن التعبير بذلك لما ذكر مع اقتضاء السياق له، وفي نداء المؤمنين بهذا الأسلوب من حثهم على امتثال الأمر ما لا يخفى، والأمر بالصلاة والتسليم من خواص هذه الأمة فلم تؤمر أمة غيرها بالصلاة والتسليم على نبيها.
وكان ذلك على ما نقل عن أبي ذر الهروي في السنة الثانية من الهجرة، وقيل: كأن في ليلة الإسراء، وأنت تعلم أن الآية مدنية؛ وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر عن مجاهد أنها لما نزلت قال أبو بكر: ما أنزل الله عليك خيرا إلا أشركنا فيه فنزلت * (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) * (الأحزاب: 43) وحكمة تغاير أسلوبي الآيتين ظاهرة على المتأمل، والصلاة منا على الأنبياء ما عدا نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام جائزة بلا كراهة، فقد جاء بسند صحيح على ما قاله المجد اللغوي " إذا صليتم على المرسلين فصلوا على معهم فإني رسول من المرسلين " وفي لفظ " إذا سلمتم على فسلموا على المرسلين " وللأول طريق أخرى إسنادها حسن جيد لكنه مرسل.