من قول أو فعل، وتقييده بقوله تعالى * (بغير ما اكتسبوا) * أي بغير جناية يستحقون بها الأذية شرعا بعد إطلاقه فيما قبله للإيذان بأن أذى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا في غير حق وأما أذى هؤلاى فمنه ومنه.
وروي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال يوما لأبي: يا أبا المنذر قرأت البارحة آية من كتاب الله تعالى فوقعت منى كل موقع * (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات) * والله إني لأعاقبهم وأضربهم فقال: إنك لست منهم إنما أنت معلم ومقوم وقوله تعالى: * (الذين) * مبتدأ وقوله سبحانه * (فقد احتملوا بهتانا) * أي فعلا شنيعا وقيل ما هو كالبهتان أي الكذب الذي يبهت الشخص لفظاعته في الاثم، وقيل احتمل بهتانا أي كذبا فظيعا إذا كان الإيذان بالقول * (واثما مبينا) * أي ظاهر ابينا خبره، ودخلت الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط، والآية قيل نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليا كرم الله تعالى وجهه ويسمعونه ما لا خير فيه.
وأخرج ابن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: أنزلت في عبد الله بن أبي وناس معه قذفوا عائشة رضي الله تعالى عنها فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " من يعذرني من رجل يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني فنزلت ".
وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنها انها نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم في أخذ صفية بنت حي رضي الله تعالى عنها، وعن الضحاك. والسدى. والكلبي أنها نزلت في زاناة كانوا يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن وكانوا لا يتعرضون إلا للإماء ولكن ربما يقع منهم التعرض للحرائر جهلا أو تجاهلا لاتحاد الكل في الزي واللباس، والظاهر عموم الآية لكل ما ذكر ولكل ما سيأتي من أراجيف المرجفين، وفيها من الدلالة على حرمة المؤمنين والمؤمنات ما فيها، وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهدفي هذه الآية قال: يلقي الجرب على أهل النار فيحكون حتى تبدو العظام فيقولون ربنا بماذا أصابنا هذا فيقال: بأذاكم المسلمين، وأخرج غير واحد عن قتادة قال: إياكم وأذى المؤمن فإن الله تعالى يحوطه ويغضب له.
وأخرج ابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أي الربا أربى عند الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: أربى الربا عند الله استحلال عرض امرىء مسلم ثم قرأ صلى الله عليه وسلم والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا الآية "، * (ياأيها النبى قل لازواجك وبناتك ونسآء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذالك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما) *.
* (يأيها النبي) * بعد ما بين سبحانه سوء حال المؤذين زجرا لهم عن الإيذاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يأمر بعض المتأذين منهم بما يدفع إيذاءهم في الجملة من التستر والتميز عن مواقع الإيذاء فقال عز وجل:
* (قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) * روي عن غير واحد أنه كانت الحرة والأمة تخرجان ليلا لقضاء الحاجة في الغيظان وبين النخيل من غير امتياز بين الحرائر والإماء وكان في المدينة فساق يتعرضون للإماء وربما تعرضوا للحرائر فإذا قيل لهم يقولون حسبناهن اماء فأمرت الحراير أن يخالفن الإماء بالزي والتستر ليحتشمن ويهبن فلا يطمع فيهن، والجلابيب جمع جلباب وهو على ما روي عن ابن عباس الذي يستر من فوق إلى أسفل، وقال ابن جبير: المقنعة، وقيل: الملحفة، وقيل: كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، وقيل: كل ما تتستر به من كساء أو غيره، وأنشدوا تجلببت من سواد الليل جلبابا وقيل هو ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء، والادناء التقريب يقال أدناني أي قربني وضمن معنى الارخاء أو السدل