أقبل عليه، والأرجح عندي هو الوجه الأول، وقيل: معنى * (سلموا تسليما) * انقادوا لأوامره صلى الله عليه وسلم انقيادا وهو غير بعيد إلا أن ظواهر الأخبار والآثار تقتضي المعنى السابق وكأنه لذلك ذهب إليه الأكثرون، والجملة صيغة خبر معناها الدعاء بالسلامة وطلبها منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم. واستشكل ذلك فيما إذا قال الله تعالى السلام عليك أيها النبي أو نحوه بأن الدعاء لا يتصور منه عز وجل لأنه طلب وهو يتضمن طالبا ومطلوبا ومطلوبا منه وهي أمور متغايرة فإن كان طلبه سبحانه السلامة لنبيه عليه الصلاة والسلام من غيره تعالى فمحاليته من أجلى البديهيات، وإن كان من ذاته عز وجل لزم أن يغاير ذاته والشيء لا يغاير ذاته ضرورة، وهذا منشأ قول بعضهم: إن في السلام منه تعالى إشكالا له شأن فينبغي الاعتناء به وعدم إهمال أمره فقل من يدرك سره. وأجيب بأن الطلب من باب الإرادات والمريد كما يريد من غيره أن يفعل شيئا فكذلك يريد من نفسه أن يفعله هو والطلب النفسي وإن لم يكن الإرادة فهو أخص منها وهي كالجنس له فكما يعقل أن المريد يريد من نفسه فكذلك يطلب منها إذ لا فرق بين الطلب والإرادة، والحاصل أن طلب الحق جل وعلا من ذاته أمر معقول يعلمه كل واحد من نفسه بدليل أنه يأمرها وينهاها قال سبحاه: * (إن النفس لأمارة بالسوء) * (يوسف: 53) * (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) * (النازعات: 40) والأمر والنهي قسمان من طلب وقد تصورا من الإنسان لنفسه بالنص فكذا بقية أقسام الطلب وأنواعه، وأوضح من هذا أن الطلب منه تعالى بمعنى الإرادة وتعقل إرادة الشخص من ذاته شيئا بناء على التغاير الاعتباري ومثله يكفي في هذا المقام، ومعنى اللهم سلم على النبي اللهم قل السلام على النبي على ما قيل، وقيل: معناه اللهم أوجد أو حقق السلامة له، وقيل: اللهم سلمه من النقائص والآفات.
وقال بعض المعاصرين: إن السلام عليك ونحوه من الله عز وجل لإنشاء السلامة وإيجادها بهذا اللفظ نظير ما قالوه في صيغ العقود واختار أن معنى اللهم سلم على النبي اللهم أوجد السلامة أو حققها له دون قل السلام على النبي تقليلا للمسافة فتدبر، وقد يكون السلام منه عز وجل على أنبيائه عليهم السلام نحو قوله سبحانه: * (سلام على نوح في العالمين) * (الصافات: 79) * (سلام على إبراهيم) * (الصافات: 109) * (سلام على موسى وهرون) * (الصافات: 120) تنبيا على أنه جل شأنه جعلهم بحيث يدعى لهم ويثنى عليهم، ونصب * (تسليما) * على أنه مصدر مؤكد، وأكد سبحانه التسليم ولم يؤكد الصلاة قيل لأنها مؤكدة باعلامه تعالى أنه يصلي عليه وملائكته ولا كذلك التسليم فحسن تأكيده بالمصدر إذ ليس ثم ما يقوم مقامه.
وإلى هذا يؤل قول ابن القيم التأكيد فيهما وإن اختلف جهته فإنه تعالى أخبر في الأول بصلاته وصلاة ملائكته عليه مؤكدا له بأن وبالجمع المفيد للعموم في الملائكة وفي هذا من تعظيمه صلى الله عليه وسلم ما يوجب المبادرة إلى الصلاة عليه من غير توقف على الأمر موافقة لله تعالى وملائكته في ذلك، وبهذا استغنى عن تأكيد " يصل " بمصدر ولما خلا السلام عن هذا المعنى وجاء في حيز الأمر المجرد حسن تأكيده بالمصدر تحقيقا للمعنى وإقامة لتأكيد الفعل مقام تقريره وحينئذ حصل لك التكرير في الصلاة خبرا وطلبا كذلك حصل لك التكرير في السلام فعلا ومصدرا، وأيضا هي مقدمة عليه لفظا والتقديم يفيد الاهتمام فحسن تأكيد السلام لئلا يتوهم قلة الاهتمام به لتأخره، وقيل: إن في الكلام الاحتباك والأصل صلوا عليه تصلية وسلموا عليه تسليما فحذف عليه من إحدى الجملتين والمصدر من الأخرى وأضيفت الصلاة إلى الله تعالى وملائكته دون السلام وأمر