تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢٢٨
الخطاب لقومه شافههم بذلك وصدع بالحق إظهارا للتصلب في الدين وعدم المبالاة بما يصدر منهم، والجملة خبرية لفظا ومعنى، والتأكيد قيل إنهم لم يعلموا من كلامه أنه آمن بل ترددوا في ذلك لما سمعوا منه ما سمعوا.
وإضافة الرب إلى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أربابا أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم * (فاسمعون) * أي فاسمعوا قولي فإني لا أبالي بما يكون منكم على ذلك، وقيل: مراده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه، وقيل لم يرد بهذا الكلام إلا أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه لما رآهم لا ينجع فيهم الوعظ وقد عزموا على الإيقاع بهم وليس بشيء، وقدر بعضهم المضاف المحذوف عاما وفسر السماع بالقبول كما في سمع الله تعالى لمن حمده أي فاسمعوا جميع ما قلته واقبلوه وهو مما يسمع.
وجعل الخطاب للقوم في الجملتين هو المروى عن ابن عباس. وكعب. ووهب. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه قال: لما قال صاحب يس * (يا قوم اتبعوا المرسلين) * خنقوه ليموت فالتفت إلى الأنبياء فقال: * (إني آمنت بربكم فاسمعون) * أي فاشهدوا فالخطاب فيهما للرسل بطريق التلوين، وأكد الخبر إظهارا لصدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط، وأضاف الرب إلى ضميرهم روما لزيادة التقرير وإظهارا للاختصاص والاقتداء بهم كأنه قال: بربكم الذي أرسلكم أو الذي تدعوننا إلى الإيمان به، وطلب السماع منهم ليشهدوا له بالإيمان عند الله عز وجل كما يشير إليه كلام ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقيل الخطاب الأول لقومه والثاني للرسل خاطبهم على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم، وقيل الخطابان للناس جميعا، وروي عن عاصم أنه قرأ * (فاسمعون) * بفتح النون، قال أبو حاتم: هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر فإما أن تحذف كما حذفت نون الإعراب ويقال فاسمعوا وإما أن تبقى وتكسر؛ ومن الناس من وجهه بأن الأصل فاسمعونا أي فاسمعوا كلامنا أي كلامي وكلامهم لتشهدوا بما كان مني ومنهم.
* (قيل ادخل الجنة قال ياليت قومى يعلمون) *.
* (قيل ادخل الجنة) * استئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك، والظاهر أن الأمر إذن له بدخول الجنة حقيقة وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل قد فارق الدنيا فعن ابن مسعود أنه بعد أن قال ما قال قتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قصبه من دبره وألقى في بئر وهي الرس، وقال السدي: رموه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي حتى مات، وقال الكلبي: رموه في حفرة وردوا التراب عليه فمات، وعن الحسن حرقوه حتى مات وعلقوه في بر المدينة وقبره في سور أنطاكية، وقيل: نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه.
ودخوله الجنة بعد الموت دخول روحه وطوافها فيها كدخول سائر الشهداء، وقيل الأمر للتبشير لا للإذن بالدخول حقيقة قالت له ملائكة الموت ذلك بشارة له بأنه من أهل الجنة يدخلها إذا دخلها المؤمنون بعد البعث، وحكى نحو ذلك عن مجاهد.
أخرج عبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال في قوله تعالى: * (قيل أدخل الجنة) * وجبت له الجنة، وجاء في رواية عن الحسن أنه قال: لما أراد قومه قتله رفعه الله تعالى إلى السماء حيا كما رفع عيسى عليه السلام إلى السماء فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السماء وهلاك الجنة فإذا أعاد الله تعالى الجنة أعيد له دخولها فالأمر كما في الأول، والجمهور على أنه قتل، وادعى ابن عطية أنه تواترت الأخبار والروايات بذلك، وقول قتادة أدخله الله تعالى الجنة وهو فيها حي يرزق ليس نصا في نفي القتل. وفي " البحر " أنه أراد
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 » »»