على كاذبون للدلالة على التجدد.
* (قالوا) * أي المرسلون * (ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) * استشهدوا بعلم الله تعالى وهو جاري مجرى القسم في التأكيد والجواب بما يجاب به، وذكر أن من استشهد به كاذبا يكفر ولا كذلك القسم على كذب، وفيه تحذيرهم معارضة علم الله تعالى، وفي اختيار عنوان الربوبية رمز إلى حكمة الإرسال كما رمز الكفرة إلى ما ينافيه بزعمهم.
وإضافة رب إلى ضمير الرسل لا يأبى ذلك، ويجوز أن يكون اختياره لأنه أوفق بالحال التي هم فيها من إظهار المعجز على أيديهم فكأنهم قالوا ناصرنا بالمعجزات يعلم إنا إليكم لمرسلون، وتقديم المسند إليه لتقوية الحكم أو للحصر أي ربنا يعلم لا أنتم لانتفاء النظر في الآيات عنكم.
* (وما علينآ إلا البلاغ المبين) *.
* (وما علينا إلا البلاغ المبين) * إلا بتبليغ رسالته تعالى تبليغا ظاهرا بينا بحيث لا يخفى على سامعه ولا يقبل التأويل والحمل على خلاف المراد أصلا وقد خرجنا من عهدته فلا مؤاخذة علينا من جهة ربنا كذا قيل، والأولى أن يفسر التبليغ المبين بما قرن بالآيات الشاهدة على الصحة وهم قد بلغوا كذلك بناء على ما روى من أنهم أبرؤا الأكمه وأحيوا الميت أو أنهم فعلوا خارقا غير ما ذكر ولم ينقل لنا ولم يلتزم في الكتاب الجليل ولا في الآثار ذكر خارق كل رسول كما لا يخفى، ثم إن ذلك إما معجزة لهم على القول بأنهم رسل الله تعالى بدون واسطة أو كرامة لهم معجزة لمرسلهم عيسى عليه السلام على القول بأنهم رسله عليه السلام، والمعنى ما علينا من جهة ربنا إلا التبليغ البين بالآيات وقد فعلنا فلا مؤاخذة علينا أو ما علينا شيء نطالب به من حهتكم إلا تبليغ الرسالة على الوجه المذكور وقد بلغنا كذلك فأي شيء تطلبون منا حتى تصدقونا بدعوانا ولكون تبليغهم كان بينا بهذا المعنى حسن منهم الاستشهاد بالعلم فلا تغفل، وجاء كلام الرسل ثانيا في غاية التأكيد لمبالغة الكفرة في الإنكار جدا حيث أتوا بثلاث جمل وكل منها دال على شدة الانكار كما لا يخفى على من له أدنى تأمل قال السكاكي: أكدوا في المرة الأولى لأن تكذيب الإثنين تذكيب للثالث لاتحاد المقالة فلما بالغوا في تكذيبهم زادوا في التأكيد، وقال الزمخشري: إن الكلام الأول ابتداء أخبار والثاني جوا بعن إنكار، ووجه ذلك السيد السند بأن الأول ابتداء إخبار بالنظر إلى أن مجموع الثلاثة لم يسبق منهم إخبار فلا تكذيب لهم في المرة الأولى فيحمل التأكيد فيها على الاعتناء والاهتمام منهم بشأن الخبر انتهى، وفيه أن الثلاثة كانوا عالمين بإنكارهم والكلام المخرج مع المنكر لا يقال له ابتداء اخبار، وقال " صاحب الكشف ": أراد أنه غير مسبوق باخبار سابق ولم يرد أنه كلام مع خالي الذهن أو جعل الابتداء باعتبار قول الثالث أو المجموع، وقال الجلبي: لعل مراده أنه بمنزلة ابتداء إخبار بالنسبة إلى إنكارهم الثاني في عدم احتياجه إلى مثل تلك المؤكذات فكان إنكارهم الأول لا يعد إنكارا بالنسبة إلى إنكارهم الثاني لا أنه ابتداء اخبار حقيقة، ولا يخفى ضعف ذلك، وقال الفاضل اليمني: إنما أكد القول الأول لتنزيلهم منزلة من أنكر إرسال الثلاثة لأنه قد لاح ذلك من إنكار الإثنين فعلى هذا يكون ابتداء اخبار بالنظر إلى إخراج الكلام على مقتضى الظاهر وإنكاريا بالنظر إلى إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر فنظر الزمخشري أدق من نظر السكاكي وإن قال السيد السند بالعكس، ويعلم ما فيه مما تقدم بأدنى نظر، وقال أجل المتأخرين الفاضل عبد الحكيم السالكوتي: عندي أن ما ذكره السكاكي مبني على عطف * (فقالوا إنا إليكم مرسلون) * (يس: 14) على * (فكذبوهما فعززنا) * (يس: 14) والفاء للتعقيب فيكون الكلام صادرا عن الثلاثة بعد تكذيب الإثنين والتعزيز بثالث فكان كلاما مع المنكرين فجاء مؤكدا، وقول الزمخشري