تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢٢١
الكلام، ومن ذهب إلى الأول أجاب عن الأول بما سمعت وعن الثاني بأنهم إما أن يكونوا دعوهم على وجه فهموا منه أنهم مبلغون عن الله تعالى دون واسطة أو أنهم جعلوا الرسل بمنزلة مرسلهم فخاطبوهم بما يبطل رسالته ونزلوه منزلة الحاضر تغليبا فقالوا ما قالوه، وعن الثالث بأن ما ظهر على أيديهم إن صح الأثر كان كرامة لهم في معنى المعجزة لعيسى عليه السلام ولا يتعين كونه معجزة لعم إلا إذا كانوا قد ادعوا الرسالة من الله تعالى بدون واسطة وهو أول المسألة، و * (إذ) * بدل من إذ الأولى، والإثنان قيل يوحنا وبولس، وقال مقاتل تومان وبولس، وقال شعيب الجبائي شمعون ويوحنا، وقال وهب. وكعب: صادق وصدوق، وقيل نازوص وماروس.
وقيل: * (أرسلنا إليهم) * دون أرسلنا إليها ليطابق إذ جاءها لأن الإرسال حقيقة إنما يكون إليهم لا إليها بخلاف المجيء وأيضا التعقيب بقوله تعالى: * (فكذبوهما) * عليه أظهر وهو هنا نظير التعقيب في قوله تعالى: * (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) * وسميت الفاء الفضيحة لأنها تفصح عن فعل محذوف وكان أصحاب القرية إذ ذاك عباد أصنام * (فعززنا) * أي قويناهما وشددنا قاله مجاهد وابن قتيبة، وقال يقال تعزز لحم الناقة إذ صلب، وقال غيره: يقال عزز المطر الأرض إذا لبدها وشدها ويقال للأرض الصلبة العزاز ومنه العز بمعناه المعروف، ومفعول الفعل محذوف أي فعززناهما * (بثالث) * لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به.
وهو على ما روى عن ابن عباس شمعون الصفا ويقال سمعنان أيضا، وقال وهب وكعب: شلوم وعند شعيب الجبائي بولص بالصاد وبعضهم يحكيه بالسين. وقرأ الحسن. وأبو حيوة. وأبو بكر. والمفضل. وأبان * (فعززنا) * بالتخفيف وهو التشديد لغتان كشدة وشدده فالمعنى واحد، وقال أبو علي المخفف من عزه إذا غلبه ومنه قولهم من عزيز أي من غلب سلب، والمعنى عليه فغلبناهم بحجة ثالث. وقرأ عبد الله * (بالثالث) * * (فقالوا) * عطف على * (فكذبوهما) * فعززنا والفاء للتعقيب أي فقال الثلاثة بعد تكذيب الإثنين والتعزيز بثالث * (إنا إليكم مرسلون) * ولا يضر في نسبة القول إلى الثلاثة سكوت البعض إذ يكفي الاتفاق بل قالوا طريقة التكلم مع الغير كون المتكلم واحدا والغير متفقا معه.
* (قالوا مآ أنتم إلا بشر مثلنا ومآ أنزل الرحم‍ان من شىء إن أنتم إلا تكذبون) *.
* (قالوا) * أي أصحاب القرية مخاطبين للثلاثة * (ما أنتم إلا بشر مثلنا) * من غير مزية لكم علينا مجبة لاختصاصكم بما تدعونه، ورفع * (بشر) * لانتقاض النفي بالافان - ما - عملت حملا على ليس فإذا انتقض نفيها بدخول إلا على الخبر ضعف الشبه فيها فبطل عملها خلافا ليونس؛ ومثل صفة * (بشر) * ولم يكتسب تعريفا بالإضافة كما عرف في النحو * (وما أنزل الرحم‍ان من شيء) * مما تدعون من الوحي على أحد وظاهر هذا القول يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام وكان تخصيص هذا الاسم الجليل من بين أسمائه عز وجل لزعمهم أن الرحمة تأبى إنزال الوحي لاستدعائه تكليفا لا يعود منه نفع له سبحانه ولا يتوقف إيصاله تعالى الثواب إلى البعض عليه، وقيل ذكر الرحمن في الحكاية لا في المحكي وهم قالوا لا إله ولا رسالة لما في بعض الآثار أنهم قالوا ألنا إله سوى آلهتنا، والتعبير به لحمله تعالى عليهم ورحمته سبحانه إياهم بعدم تعجيل العذاب آن إنكارهم ولعل ما تقدم أولى وأظهر ولا جزم بصحة ما ينافيه من الأثر.
* (إن أنتم إلا تكذبون) * فيما تدعون وهذا تصريح بما قدوه من الجملتين السابقتين واختيار تكذبون
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»