تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢١٣
تنزيله ناشىء عن غاية الرحمة حسبما أشار إليه قوله تعالى: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * (الأنبياء: 107).
* (لتنذر قوما مآ أنذر ءابآؤهم فهم غ‍افلون) *.
* (لتنذر) * متعلق بتنزيل أو بفعله المضمر على الوجه الثاني في إعرابه أي نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر به أو بما يدل عليه * (لمن المرسلين) * أي أرسلت أو إنك مرسل لتنذر * (قوما ما أنذر ءاباؤهم) * أي لم تنذر آباؤهم على ما روي عن قتادة فما نافية والجملة صفة * (قوما) * مبينة لغاية احتياجهم إلى الإنذار، والمراد بالإنذار الإعلام أو التخويف ومفعوله الثاني محذوف أي عذابا لقوله تعالى: * (إنا أنذرناكم عذابا قريبا) * (النبأ: 40) والمراد بآبائهم آباؤهم الأدنون وإلا فالأبعدون قد أنذرهم إسماعيل عليه السلام وبلغهم شريعة إبراهيم عليه السلام.
وقد كان منهم من تمسك بشرعه على أتم وجه ثم تراخى الأمر وتطاول المدد فلم يبق من شريعته عليه السلام إلا الاسم. وفي " البحر " الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة أما بمباشرة من أنبيائهم وأما بنقل إلى وقت بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشا ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم ولا آباءهم القريبين. وأما أن النذارة انقطعت فلا، ولما شرعت آثارها تندرس بعث النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكره المتكلمون من حال أهل الفترات فهو على حسب الفرض اه‍.
وعليه فالمعنى ما أنذر آباءهم رسول أي لم يباشرهم بالإنذار لا أنه لم ينذرهم منذر أصلا فيجوز أن يكون قد أنذرهم من ليس بنبي كزيد بن عمرو بن نفيل. وقس بن ساعدة فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: * (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) * (فاطر: 24) وليس في ذلك إنكار الفترة المذكورة في قوله تعالى: * (على فترة من الرسل) * لأنها فترة إرسال وانقطاعها زمانا لا فترة إنذار مطلقا، وعن عكرمة * (ما) * بمعنى الذي، وجوز أن تكون موصوفة وهي على الوجهين مفعول ثان لتنذر أي لتنذر قوما الذي أنذره أو شيئا أنذره الرسل آباءهم الأبعدين، وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون ما مصدرية فتكون نعتا لمصدر مؤكد أي لتنذر قوما إنذارا مثل إنذار الرسل آباءهم الأبعدين، وقيل هي زائدة وليس بشيء * (فهم غافلون) * هو على الوجه الأول متفرع على نفي الإنذار ومتسبب عنه والضمير للفريقين أي لم ينذر آباؤهم فهم جميعا لأجل ذلك غافلون، وعلى الأوجه الباقية متعلق بقوله تعالى: * (لتنذر) * أو بما يفيده * (إنك لمن المرسلين) * وارد لتعليل إنذاره عليه الصلاة والسلام أو إرساله بغفلتهم المحوجة إليه نحو اسقه فإنه عطشان على أن الضمير للقوم خاصة فالمعنى فهم غافلون عنه أي عما أنذر آباؤهم.
وقال الخفاجي: يجوز تعلقه بهذا على الأول أيضا وتعلقه بقوله تعالى: * (لتنذر) * على الوجوه وجعل الفاء تعليلية والضمير لهم أو لآبائهم اه‍، ولا يخفى عليك أن المنساق إلى الذهن ما قرر أولا.
* (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون) *.
* (لقد حق) * جواب لقسم محذوف أي والله لقد ثبت ووجب * (القول) * الذي قلته لإبليس يوم قال: * (لأغوينهم أجمعين) * (ص: 82) وهو * (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * (هود: 119) * (على أكثرهم) * متعلق بحق. والمراد سبق في علمي دخول أكثرهم فيمن أملأ منهم جهنم وهم تبعة إبليس كما يشير إليه تقديم الجنة على الناس وصرح به قوله تعالى: * (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) * (ص: 85).
ولا مانع من أن يراد بالقول لكن المشهور ما تقدم، وظاهر كلام الراغب أن المراد بالقول علم الله تعالى بهم ولا حاجة إلى التزام ذلك، وقيل: الجار متعلق بالقول ويقال قال عليه إذا تكلم فيه بالشر، والمراد لقد ثبت في الأزل عذابي لهم، وفيه ما فيه، ويؤيد تعلقه بحق قوله تعالى: * (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون) * (يونس: 96)، ونقل
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»