تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢٢٧
إرادة الموضوع له فيكون اللفظ مستعملا في غير ما وضع له فيتحد المعبر عنه، وحقق السيد السند أن المعنى التعريضي من مستتبعات الترتيب واللفظ ليس بمستعمل فيه بل هو بالنسبة إلى المستعمل فيه إما حقيقة أو مجاز أو كناية وعليه فمضير المتكلم في * (مالي) * الخ ليس مستعملا في المخاطبين فلا يكون المعبر عنه في الأسلوبين واحدا فلا التفات، وجوز بعضهم كون الآية من الاحتباك والأصل * (ومالي لا أعبد الذي فطرني) * وإليه أرجع وما لكم لا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون فحذف من الأول نظير ما ذكر في الثاني وبالعكس وهو مفوت لما سمعت، وظاهر كلام الواحدي أنه لا تعريض في الآية حيث قال: لما قال الرجل * (يا قوم اتبعوا المرسلين) * الخ رفعوه إلى الملك فقال له الملك: أفأنت تتبعهم؟ فقال: * (مالي لا أعبد الذي فطرني) * أي أي شيء لي إذا لم أعبد خالقي * (وإليه ترجعون) * تردون عند البعث فيجزيكم بكفركم، ورد عليه بأنه إذا رجع الإنكار إليه دون القوم لم يكن لخطابهم بترجعون معنى وكان الظاهر أرجع. وأجيب بأنه يمكن أن يقال: إن الرجل كان في غيظ شديد من تكذيبهم الرسل وتوعدهم إياهم فانتهز الفرصة للانتقام فلما تمكن من تهديدهم أوقع قوله: * (وإليه ترجعون) * في البين أي مالي لا أعبد الذي من على بنعمة الإيجاد ونعمة الانتقام منكم والتشفي من غيظكم إذ ترجعون إليه فيجزيكم بكفركم وتكذيبكم الرسل وعنادكم، وأنت تعلم أن النظم الجليل لا يساعد على هذا وهو ظاهر فيما تقدم، وقد عاد إلى المساق الأول من التلطف بالإرشاد فقال:
* (أءتخذ من دونه ءالهة إن يردن الرحم‍ان بضر لا تغن عنى شف‍اعتهم شيئا ولا ينقذون) *.
* (ءأتخذ من دونه ءالهة) * إنكار ونفي لاتخاذ جنس الآلهة على الإطلاق وفيه من تحميق من يعبد الأصنام ما فيه.
وقوله تعالى: * (إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا) * استئناف سيق لتعليل النفي المذكور، وجعله صفة لآلهة كما ذهب إليه البعض ربما يوهم أن هناك آلهة ليست كذلك، ومعنى * (لا تغني) * الخ لا تنفعني شيئا من النفع، وهو إما على حد. لا ترى الضب بها ينجحر أي لا شفاعة لهم حتى تنفعني، وإما على فرض وقوع الشفاعة أي لا تغني عن شفاعتهم لو وقعت شيئا ولا ينقذونيخلصون من ذلك الضر بالنصر والمظاهرة، وهو ترق من الأدنى إلى الأعلى بدأ أولا بنفي الجاه وذكر ثانيا انتفاء القدرة وعبر عنه بانتفاء الإنقاذ لأنه نتيجته، وفتح ياء المتكلم في * (يردني) * طلحة السمان على ما قال ابن عطية، وقال ابن خالويه: طلحة بن مصرف. وعيسى الهمداني. وأبو جعفر، ورويت عن نافع. وعاصم. وأبي عمرو؛ وقال الزمخشري: وقرىء * (إن يردني الرحمن بضر) * بمعنى إن يوردني ضرا أي يجعلني موردا للضر اه‍، قال أبو حيان: كأنه والله تعالى أعلم رأي في كتب القراءات * (يردني) * بفتح الياء فتوهم أنها ياء المضارعة فجعل الفعل متعديا بالياء المعدية كالهمزة فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ونصب به اثنين، والذي في كتب الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطأ ونطقا لالتقاء الساكنين، قال في كتابه ابن خالويه: بفتح الياء ياء الإضافة، وقال في " اللوامح ": * (إن يردني الرحمن) * بالفتح وهو أصل الياء البصرية أي المثبتة بالخط الذي يرى بالبصر لكن هذه محذوفة اه‍ كلامه، وحسن الظن بالزمخشري يقتضي خلاف ما ذكره.
* (إنىإذا لفى ضل‍ال مبين) *.
* (إني إذا) * أي إذا اتخذت من دونه آلهة * (لفي ضلال مبين) * فإن إشراك ما يصنع وليس من شأنه النفع ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذي لا قادر غيره ولا خير إلا خيره ضلال وخطأ بين لا يخفى على من له أدنى تمييز.
* (إنىءامنت بربكم فاسمعون) *.
* (إني ءامنت بربكم) * الظاهر أن
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 » »»