مبني على أنه عطف على * (إذ جاءها المرسلون) * (يس: 3) وأنه تفصيل للقصة المذكورة إجمالا بقوله سبحانه: * (إذ جاءها المرسلون) * إلى قوله تعالى: * (فعززنا بثالث) * (يس: 14) فالفاء للتفصيل فقوله تعالى: * (فقالوا إنا إليكم مرسلون) * (يس: 13، 14) بيان لقوله عز وجل: * (إذ أرسلنا إليهم اثنين) * (يس: 14) فيكون ابتداء إخبار صدر من الإثنين قالوا بصيغة الجمع تقريرا لشأن الخبر وقوله تعالى: * (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) * (يس: 15) الخ بيان لقوله تعالى: * (فكذبوهما) * وقوله سبحانه: * (ربنا إنا إليكم لمرسلون * وما علينا إلا البلاغ المبين) * (يس: 16، 17) بيان لقوله عز شأنه * (فعززنا بثالث) * فإن البلاغ المبين هو إثباتهم الرسالة بالمعجزات وهو التعزيز والغلبة ثم قال: ولا يخفى حسن هذا التفسير لموافقته للقصة المذكورة في التفاسير وملاءمته لسوق الآية فإنها ذكرت أولا إجمالا بقوله تعالى: * (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية) * (يس: 13) ثم فصلت بعض التفصيل بقوله تعالى: * (إذ جاءها المرسلون) * إلى قوله سبحانه: * (فعزز بثالث) * ثم فصلت تفصيلا تاما بقوله تعالى: * (قالوا إنا إلكيم لمرسلون) * إلى قوله تعالى: * (خامدون) * وعدم احتياجه إلى جعل الفاء في * (فكذبوهما) * فصحية بخلاف تفسير السكاكي فإنه يحتاج إلى تقدير فدعوا إلى التوحيد اه.
ولا يخفى على المنصف أنه تفسير في غاية البعد والكلام عليه وأصل إلى رتبة الألغاز، ومع هذا فيه ما فيه، وأنا أقول: لا يبعد أن يكون الزمخشري أراد بكلامه أحد الاحتمالات التي ذكرت في توجيهه إلا أن ما ذهب إليه السكاكي أبعد عن التكلف وأسلم عن القيل والقال.
* (قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) *.
* (قالوا) * لما ضاقت عليهم الحيل وعييت بهم العلل * (إنا تطيرنا بكم) * أي تشاء منا بكم جريا على ديدن الجهلة حيث يتيمنون بكل ما يوافق شهواتهم وإن كان مستجلبا لكل شر ويتشاءمون بما لا يوافقها وإن كان مستتبعا لكل خير أو بناء على أن الدعوة لا تخلو عن الوعيد بما يكرهونه من إصابة ضر إن لم يؤمنوا فكانوا ينفرون عنه، وقد قال مقاتل: إنه حبس عنهم المطر وقال آخر: أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل عليهم السلام، وقال ابن عطية: أن تطير هؤلاء كان بسبب ما دخل فيهم من اختلاف الكلمة وافتتان الناس، وأصل التطهير التفاؤل بالطير البارح والسانح ثم عم، وكان مناط التطير بهم مقالتهم كما يشعر به قوله تعالى: * (لئن لم تنتهوا) * أي عن مقالتكم هذه.
* (لنرجمنكم) * بالحجارة قاله قتادة وذكر فيه احتمالان احتمال أن يكون الرجم للقتل أي لنقتلنكم بالرجم بالحجارة واحتمال أن يكون للأذى أي لنؤذينكم بذلك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قال: أي لنشتمنكم ثم قال: والرجم في القرآن كله الشتم.
* (وليمسنكم منا عذاب أليم) * قال في " البحر ": وهو الحريق، وقيل عذاب غيره تبقى معه الحياة، والمراد لنقتلنكم بالحجارة أو لنعذبنكم إذا لم نقتلكم عذابا أليما لا يقادر قدره تتمنون معه القتل، وقيل أريد بالعذاب الأليم العذاب الروحاني وأريد بالرجم بالحجارة النوع المخصوص من الأذى الجسماني فكأنهم قد رددوا الأمر بين إيذاء جسماني وإيذاء روحاني، وقيل أريد بالعذاب الأليم الجسماني وبالرجم العذاب والأذى الروحاني بناء على أن المراد به الشتم، وقيل غير ذلك.
* (قالوا طائركم معكم أءن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون) *.
* (قالوا) * أي الرسل ردا عليهم * (طائركم) * أي سبب شؤمكم * (معكم) * لا من قبلنا كما تزعمون وهو سوء عقيدتكم وقبح أعمالكم.
وأخرج ابن المنذر. عن ابن عباس أنه فسر الطائرة بنفس الشؤم أي شؤمكم معكم وهو الإقامة على الكفر