تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢١٨
العقاب غير مشاهد له أو خشي غائبا عن أعين الناس غير مظهر الخشية لهم لأنها علانية قلما تسلم عن الرياء، وبعضهم فسر الغيب بالقلب وجعل الجار متعلقا بخشي أي خشي في قلبه ولم يكن مظهرا للخشية وليس بخاش، قيل: ويجوز جعله حالا من * (الرحمن) * ولا يخفى حاله، والكلام في خشي على طرز الكلام في * (اتبع) * * (فبشره بمغفرة) * عظيمة لما سلف، وقيل: لما يفرط منه * (وأجر كريم) * حسن لا يقادر قدره لما أسلف، والفاء لترتيب البشارة أو الأمر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية. وفي " البحر " لما أجدت فيه النذارة فبشره الخ فلا تغفل، وعن قتادة تفسير الأجر الكريم بالجنة والمراد نعيمها الشامل لما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأجل جميع ذلك رؤية الله عز وجل.
وقوله سبحانه:
* (إنا نحن نحى الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم وكل شىء أحصين‍اه فىإمام مبين) *.
* (إنا نحن نحيي الموتى) * الخ تذييل عام للفريقين المصممين على الكفر والمشفعين بالإنذار ترهيبا وترغيبا ووعيدا ووعدا، وتكرير الضمير لإفادة الحصر أو للتقوية، وما ألطف هذا الضمير الذي عكسه كطرده ههنا، وضمير العظمة للإشارة إلى جلالة الفعل، والتأكيد للاعتناء بأمر الخبر أو لرد الإنكار فإن الكفرة كانوا يقولون: * (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين) * أي إنا نحن نحيي الأموات جميعا ببعثهم يوم القيامة * (ونكتب ما قدموا) * ما أسلفوه من الأعمال الصالحة والطالحة * (وءاثارهم) * التي أبقوها بعدهم من الحسنات كعلم علموه أو كتاب ألفوه أو حبيس وقفوه أو بناء في سبيل الله تعالى بنون وغير ذلك من وجوه البر ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان وترتيب مبادىء الشر والفساد فيما بين العباد وغير ذلك من فنون الشرور التي أحدثوها وسنوها بعدهم للمفسدين.
أخرج ابن أبي حاتم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئا ثم تلا * (ونكتب ما قدموا وآثارهم) * " وعن أنس أنه قال في الآية: هذا في الخطو يوم الجمعة، وفسر بعضهم الآثار بالخطأ إلى المساجد مطلقا لما أخرج عبد الرزاق. وابن جرير. وابن المنذر. والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري قال كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فأنزل الله تعالى: * (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم) * فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه يكتب آثاركم ثم تلا عليهم الآية فتركوا.
وأخرج الإمام أحمد في الزهد. وابن ماجه. وغيرهما عن ابن عباس قال كانت الأنصار منازلهم بعيدة من المسجد فأرادوا أن ينتقلوا قريبا من المسجد فنزلت * (ونكتب ما قدموا وآثارهم) * فقالوا بل: نمكث مكاننا.
وأنت تعلم أنه لا دلالة فيما ذكر على أن الآثار هي الخطأ لا غير وقصارى ما يدل عليه أنها من الآثار فلتحمل الآثار على ما يعملها وغيرها، واستدل بهذين الخبرين ونحوهما على أن الآية مدنية.
وقال أبو حيان: ليس ذلك زعما صحيحا وشنع عليه بما ورد مما يدل على ذلك، وانتصر له الخفاجي بأن الحديث الدال معارض بما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية ولم يذكر أنها نزلت فيهم وقراءته عليه الصلاة والسلام لا تنافي تقدم النزول ومراد أبي حيان هذا لا أنه أنكر أصل الحديث، ولا يخفى أن الحديثين
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»