تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٩٧
أن منهم الكافر وغيره وكون العباد المضاف إلى الله تعالى مخصوصا بالمؤمنين ليس بمطرد وإنما يكون كذلك إذا قصد بالإضافة التشريف، والقول برجوع الضمير للموصول والتزام كون الاصطفاء بحسب الفطرة تعسف كما لا يخفى، وقيل: في تفسير الثلاثة غير ما ذكر، وذكر في التحرير ثلاثة وأربعين قولا في ذلك، ومن تتبع التفاسير وجدها أكثر من ذلك لكن لا يجد في أكثرها كثير تفاوت، والذي يعضده معظم الروايات والآثار أن الأصناف الثلاثة من أجل الجنة فلا ينبغي أن يلتفت إلى تفسير الظالم بالكافر إلا بتأويل كافر النعمة وإرادة العاصي منه. أخرج الإمام أحمد. والطيالسي. وعبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي. والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية: * (ثم أورثنا الكتاب - إلى - الخيرات) * هؤلاء بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة، وقوله عليه الصلاة والسلام وكلهم الخ عطف تفسيري.
وأخرج الطبراني. وابن مردويه في البعث عن أسامة بن زيد أنه قال في الآية: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم من هذه الأمة وكلهم في الجنة " وأخرج ابن النجار عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له " وأخرج العقيلي. وابن مردويه. والبيهقي عن عمر بن الخطاب مرفوعا نحوه.
وأخرج الإمام أحمد. وعبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني. والحاكم. وابن مردويه. والبيهقي عن أبي الدرداء قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله فأما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة بغير حساب وأما الذين اقتصدوا فأولئك الذين يحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين يتلقاهم الله تعالى برحمته فهم الذين يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور " الآية قال البيهقي: إذا كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا، والاخبار في هذا الباب كثيرة وفيما ذكر كفاية، وقدم الظالم لنفسه لكثرة الظالمين لأنفسهم وعقب بالمقتصد لقلة المقتصدين بالنسبة إليهم وأخر السابق لأن السابقين أهل من القليل قاله الزمخشري، وحكى الطبرسي أن هذا الترتيب على مقامات الناس فإن أحوال العباد ثلاث معصية ثم توبة ثم قربة فإذا عصى العبد فهو ظالم فإذا تاب فهو مقتصد فإذا صحت توبته وكثرت مجاهدته فهو سابق، وقيل: قدم الظالم لئلا ييأس من رحمة الله تعالى وأخر السابق لئلا يعجب بعمله فتعين توسيط المقتصد، وقال قطب الدين: النكتة في تقديم الظالم أنه أقرب الثلاثة إلى بداية حال العبد قبل اصطفائه بإيراث الكتاب فإذا باشره الاصطفاء فمن العباد من يتأثر قليلا وهو الظالم لنفسه ومنهم من يتأثر تأثرا وسطا وهو المقتصد ومنهم من يتأثر تأثرا تاما وهو السابق، وقريب منه ما قيل: إن الاصطفاء مشكك تتفاوت مراتبه وأولها ما يكون للمؤمن الظالم لنفسه وفوقه ما يكون للمقتصد وفوق الفوق ما يكون للسابق بالخيرات فجاء الترتيب كالترقي في المراتب، وقيل: أخل السابق لتعدد ما يتعلق به فلو قدم أو وسط لبعد في الجملة ما بين الأقسام المتعاطفة ولما كان الاقتصاد كالنسبة بين الظلم والسبق اقتضى ذلك تقديم الظالم وتأخير المقتصد ليكون المقتصد بين الظالم والسابق لفظا كما هو بينهما معنى، وقد يقال: رتب هذه الثلاثة هذا الترتيب ليوافق حالهم في الذكر بالنسبة إلى ما وعدوا به من الجنات في قوله سبحانه: * (جنات عدن) * الآية حالهم في الحشر عند تحقق الوعد فأخر السابق الداخل في الجنان أولا ليتصل ذكره بذكر الجنات الموعود بها وذكر قبله المقتصد
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»