تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٨٦
تعالى غائبين عن عذابه سبحانه أو عن الناس في خلواتهم أو يخشون عذاب ربهم غائبا عنهم فالجار والمجرور في موضع الحال من الفاعل أو من المفعول * (وأقاموا الصلاة) * أي راعوها كما ينبغي وجعلوها منارا منصوبا وعلماف مرفوعا أي إنما ينفع إنذارك وتحذيرك هؤلاء من قومك دون من عداهم من أهل التمرد والعناد، ونكتة اختلاف الفعلين تعلم مما مر في قوله تعالى: * (الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا) * (فاطر: 9) فتذكر ما في العهد من قدم.
* (ومن تزكى) * تطهر من أدناس الأوزار والمعاصي بالتأثر من هذا الإنذارات * (فإنما يتزكى لنفسه) * لاقتصار نفعه عليها كما أن من تدنس بها لا يتدنس إلا عليها، والتزكي شامل للخشية وإقامة الصلاة فهذا تقرير وحث عليهما.
وقرأ العباس عن أبي عمرو * (ومن يزكى فإنما يزكى) * بالياء من تحت وشد الزاي فيهما وهما مضارعان أصلهما ومن يتزكى فإنما يتزكى فادغمت التاء في الزاي كما أدغمت في يذكرون، وقرى ابن مسعود. وطلحة * (ومن أزكى) * بادغام التاء في الزاي واجتلاب همزة الوصل في الابتداء، وطلحة أيضا * (فإنما تزكى) * بادغام التاء في الزاي * (وإلى الله المصير) * لا إلى أحد غيره استقلالا أو اشتراكا فيجازيهم على تزكيهم أحسن الجزاء.
* (وما يستوى الاعمى والبصير) *.
* (وما يستوى الأعمى والبصير) * عطف على قوله تعالى: * (وما يستوي البحران) * (فاطر: 13) والأعمى والبصير مثلان للكافر والمؤمن كما قال قتادة. والسدى. وغيرهما.
وقيل: هما مثلان للصنم عز وجل فهو من تتمة قوله تعالى: * (ذلكم الله ربكم له الملك) * (فاطر: 13) والمعنى لا يستوي الله تعالى مع ما عبدتم.
* (ولا الظلمات ولا النور) *.
* (ولا الظلم‍ات ولا النور) * أي ولا الباطل ولا الحق.
* (ولا الظل ولا الحرور) *.
* (ولا الظل ولا الحرور) * ولا الثواب ولا العقاب، وقيل: ولا الجنة ولا النار، والحرور فعول من الحر وأطلق كما حكى عن الفراء على شدة الحر ليلا أو نهارا، وقال أبو البقاء: هو شدة حر الشمس، وفي الكشاف الحرور السموم إلا أن السموم يكون بالنهار والحرور بالليل والنهار، وقيل: بالليل.
* (وما يستوى الاحيآء ولا الاموات إن الله يسمع من يشآء ومآ أنت بمسمع من فى القبور) *.
* (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) * تمثيل آخر للمؤمنين الذين دخلوا في الدين بعد البعثة والكافرين الذين أصروا واستكبروا فالتعريف كما قال الطيبي للعهد، وقيل: للعلماء والجهلاء.
والثعالبي جعل الأعمى والبصير مثلين لهما وليس بذاك * (إن الله يسمع من يشاء) * أي يسمعه ويجعله مدركاف لللأصوات، وقال الخفاجي: وغيره: ولعل في الآية ما يقتضي أن المراد يسمع من يشاء سماع تدبر وقبول لآياته عز وجل: * (وما أنت بمسمع من في القبور) * ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات واشباع في إقناطه عليه الصلاة والسلام من إيمانهم، والباء مزيدة للتأكيد أي وما أنت مسمع، والمراد بالسماع هنا ما أريد به في سابقه، ولا يأبى إرادة السماع المعروف ما ورد في حديث القليب لأن المراد نفي الإسماع بطريق العادة وما في الحديث من باب * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * (الأنفال: 17) وإلى هذا ذهب البعض، وقد مر الكلام في ذلك فلا تغفل.
وما ألطف نظم هذه التمثيلات فقد شبه المؤمن والكافر أولا بالبحرين وفضل البحر الأجاج على الكافر لخلوه من النفع ثم بالأعمى والبصير مستتبعا بالظلمات والنور والظل والحرور فلم يكتف بفقدان نور البصر حتى ضم إليه فقدان ما يمده من النور الخارجي وقرن إليه نتيجة ذلك العمى والفقدان فكان فيه ترق من التشبيه الأول إليه ثم بالأحياء والأموات ترقيا ثانيا وأردف قوله سبحانه: * (وما أنت بمسمع من في القبور) * (فاطر: 22).
وذكر الطيبي أن إخلاء الثاني من لا المؤكدة لأنه كالتهيد لقوله تعالى: * (وما يستوي الأحياء ولا الأموات (فاطر: 22)
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»