تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٧٢
وفي كليات أبي البقاء الكفوي الميت بالتخفيف هو الذي مات والميت بالتشديد والمائت هو الذي لم يمت بعد، وأنشد: ومن يك ذا روح فذلك ميت * وما الميت إلا من إلى القبر يحمل والمعول عليه هو المشهور * (فأحيينا به الأرض) * أي بالمطر النازل منه المدلول عليه بالسحاب فإن بينهما تلازما في الذهن كما في الخارج أو بالسحاب فإنه سبب السبب وإحياء الأرض إنبات الشجر والكلأ فيها * (بعد موتها) * يبسها وخلوها عن ذلك، وإيراد الفعلين بصيغة الماضي للدلالة على التحقيق، وإسنادهما إلى نون العظمة المنبىء عن الاختصاص به تعالى لما فيهما من مزيد الصنع ولتكميل المماثلة بين إحياء الأرض وبين البعث الذي شبه به بقوله تعالى: * (كذالك النشور) * في كمال الاختصاص بالقدرة الربانية، وقال الإمام عليه الرحمة: أسند * (أرسل) * إلى الغائب وساق * (وأحيى) * إلى المتكلم لأنه في الأول عرف سبحانه نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال ثم لما عرف قال تعالى: أنا الذي عرفتني سقت السحاب وأحييت الأرض ففي الأول كان تعريفا بالفعل العجيب وفي الثاني كان تذكيرا بالنعمة فإن كمال نعمتي الرياح والسحب بالسوق والإحياء، وهو كما ترى.
وقال سبحانه: فأحيينا به الأرض دون فأحييناه أي البلد الميت به تعليقا للإحياء بالجنس المعلوم عند كل أحد وهو الأرض ولأن ذلك أوفق بأمر البعث، وقال تعالى: * (بعد موتها) * مع أن الأحياء مؤذن بذلك لما فيه من الإشارة إلى أن الموت للأرض الذي تعلق بها الإحياء معلوم لهم وبذلك يقوى أمر التشبيه فليتأمل.
والنشور على ما في " البحر " مصدر نشر الميت إذا حي قال الأعشى: حتى يقول الناس مما رأوا * يا عجبا للميت الناشر وفي نهاية ابن الأثير يقال نشر الميت ينشر نشورا إذا عاش بعد الموت وأنشره الله تعالى أحياه، وقال الراغب: قيل نشر الله تعالى الميت وأنشره بمعنى والحقيقة أن نشر الله تعالى الميت مستعار من نشر الثوب أي بسطه كما قال الشاعر: طوتك خطوب دهرك بعد نشر * كذاك خطوبه طيا ونشرا والمراد بالنشور هنا إحياء الأموات في يوم الحساب وهو مبتدأ والجار والمجرور قبله في موضع الخبر وقيل الكاف في حيز الرفع على الخبرية أي مثل ذلك الإحياء الذي تشاهدونه إحياء الأموات يوم القيامة في صحة المقدورية وسهولة التأتي من غير تفاوت بينهما أصلا سوى الألف في الأول دون الثاني، وقال أبو حيان: وقع التشبيه بجهات لما قبلت الأرض الميتة الحياة اللائقة بها كذلك الأعضاء تقبل الحياة أو كما أن الريح تجمع قطع السحاب كذلك يجمع الله تعالى أجزاء الأعضاء وأبعاض الموتى أو كما يسوق سبحانه السحاب إلى البلد الميت يسوق عز وجل الروح والحياة إلى البدن، وقال بعضهم: التشبيه باعتبار الكيفية.
فقد أخرج ابن جرير. وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فلا يبقى خلق لله في السماوات والأرض إلا من شاء الله تعالى إلا مات ثم يرسل الله تعالى من تحت العرش ماء كمني الرجال فتنبت أجسامهم من ذلك الماء وقرأ الآية ثم يقوم ملك فينفخ فيه فتنطلق كل نفس إلى جسدها، وفي حديث مسلم مرفوعا ينزل الله تعالى مطرا كأنه الطل فينبت أجساد الناس.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»